الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }

{ قَالَ } استئناف كما سلف { سَلَـٰمٌ عَلَيْكَ } توديع ومتاركة على طريقة مقابلة السيئة بالحسنة فإن ترك الإساءة للمسيء إحسان أي لا أصيبك بمكروه بعد ولا أشافهك بما يؤذيك، وهو نظير ما في قوله تعالى:لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى ٱلْجَـٰهِلِينَ } [القصص: 55] في قوله، وقيل: هو تحية مفارق، وجوز قائل هذا تحية الكافر وأن يبدأ بالسلام المشروع وهو مذهب سفيان بن عيينة مستدلاً بقوله تعالى:لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ } [الممتحنة: 8] الآية، وقوله سبحانه:قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ } [الممتحنة: 4] الآية، وما استدل به متأول وهو محجوج بما ثبت في «صحيح مسلم»: " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام " وقرىء { سَلاَماً } بالنصب على المصدرية والرفع على الابتداء.

{ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِي } أي أستدعيه سبحانه أن يغفر لك بأن يوفقك للتوبة ويهديك إلى الإيمان كما يلوح به تعليل قوله: { وَٱغْفِرْ لأَِبِى } بقوله:إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّالّينَ } [الشعراء: 86] كذا قيل فيكون استغفاره في قوة قوله: ربـي اهده إلى الإيمان وأخرجه من الضلال. / والاستغفار بهذا المعنى للكافر قبل تبين تحتم أنه يموت على الكفر مما لا ريب في جوازه كما أنه لا ريب في عدم جوازه عند تبين ذلك لما فيه من طلب المحال فإن ما أخبر الله تعالى بعدم وقوعه محال وقوعه ولهذا تبين له عليه السلام بالوحي على أحد القولين المذكورين في سورة التوبة [114] أنه لا يؤمن تركه أشد الترك فالوعد والإنجاز كانا قبل التبين وبذلك فارق استغفاره عليه السلام لأبيه استغفار المؤمنين لأولي قرابتهم من المشركين لأنه كان بعد التبين ولذا لم يؤذنوا بالتأسي به عليه السلام في الاستغفار، قال العلامة الطيبـي: إنه تعالى بين للمؤمنين أن أولئك أعداء الله تعالى بقوله سبحانه:لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِٱلْمَوَدَّةِ } [الممتحنة: 1] وأن لا مجال لإظهار المودة بوجه ما ثم بالغ جل شأنه في تفصيل عداوتهم بقوله عز وجل:إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِٱلسُّوء وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ } [الممتحنة: 2] ثم حرضهم تعالى على قطيعة الأرحام بقوله سبحانهلَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَـٰمُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } [الممتحنة: 3] ثم سلاهم عز وجل بالتأسي في القطيعة بإبراهيم عليه السلام وقومه بقوله تبارك وتعالى:قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرٰهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بَرَآء مّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ } [الممتحنة: 4] إلى قوله تعالى شأنه:إِلاَّ قَوْلَ إِبْرٰهِيمَ لأَِبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } [الممتحنة: 4] فاستثنى من المذكور ما لم يحتمله المقام كما احتمله ذلك المقام للنص القاطع يعني لكم التأسي بإبراهيم عليه السلام مع هؤلاء الكفار في القطيعة والهجران لا غير فلا تجاملوهم ولاتبدوا لهم الرأفة والرحمة كما أبدى إبراهيم عليه السلام لأبيه في قوله { لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ } لأنه لم يتبين له حينئذ أنه لا يؤمن كما بدا لكم كفر هؤلاء وعداوتهم انتهى.

السابقالتالي
2 3 4