الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }

وقوله تعالى: { وَمِنَ ٱلَّيْلِ فَسَبّحْهُ } إفراد لبعض الليل بالتسبيح لما أن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد عن الرياء كما يلوح به تقديمه على الفعل { وَإِدْبَـٰرَ ٱلنُّجُومِ } أي وقت إدبارها من آخر الليل أي غيبتها بضوء الصباح، وقيل: التسبيح من الليل صلاة المغرب والعشاء، وإدبار النجوم ركعتا الفجر، وعن عمر رضي الله تعالى عنه / وعلي كرم الله تعالى وجهه وأبـي هريرة والحسن رضي الله تعالى عنهما التسبيح من الليل النوافل، وإدبار النجوم ركعتا الفجر، وقرأ سالم بن أبـي الجعد والمنهال بن عمرو ويعقوب ـ أدبار ـ بفتح الهمزة جمع دبر بمعنى عقب أي في أعقابها إذا غربت أو خفيت بشعاع الشمس.

هذا ونظم الآيات من قوله تعالى:أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ } [الطور: 30] إلى قوله سبحانه:أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ } [الطور: 43] الخ فيه غرابة ولم أر أحداً كشف عن لثامه كصاحب «الكشف» جزاه الله تعالى خيراً، ولغاية حسنه وكونه مما لا مزيد عليه أحببت نقله بحذافيره لكن مع اختصار مّا، فأقول: قال: أومأ الزمخشري إلى وجهين في ذلك في قوله تعالى:بَلْ قَالُواْ أَضْغَـٰثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ } [الأنبياء: 5] أحدهما: أنه حكاية قولهم المضطرب على وجهه، والثاني: أنه تدرج منه سبحانه في حكاية ما قالوه من المنكر إلى ما هو أدخل فيه، والأول ضعيف فيما نحن فيه لأن ما سيق له الكلام ليس اضطراب أقوالهم فتحكى على ما هي عليه بل تسليته عليه الصلاة والسلام وأنه لا محالة ينتقم له منهم وأن العذاب المكذب به واقع بهم جزاءاً لتكذيبهم بالمنبىء والنبأ والمنبأ به، فالمتعين هو الثاني، ووجهه ـ والله تعالى أعلم ـ أن قوله:فَذَكّرْ } [الطور: 29] معناه إذ ثبت كون العذاب واقعاً وكون الفريقين المصدقين والمكذبين مجزيين بأعمالهم، وأنك على الحق المبين الذي من كذب به استحق الهوان، ومن صدق استحق الرضوان فدم على التذكير ولا تبال بما تكايد فإنك أنت الغالب حجة وسيفاً في هذه الدار، ومنزلة ورفعة في دار القرار، ومن قوله تعالى:فَمَا أَنتَ } [الطور: 29] إلى قوله سبحانه:هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ } [الطور: 42] تفصيل هذا المجمل مع التعريض بفساد مقالاتهم الحمقاء وأنهم بمرأى من الله تعالى ومسمع فلا محالة ينتقم لنبيه عليه الصلاة والسلام منهم، وفيه أن النبـي صلى الله عليه وسلم من الله تعالى بمكان لا يقادر قدره فهو شدّ من عضد التسلي، وقوله سبحانه:فَمَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبّكَ } [الطور: 29] الخ فيه أن من أنعم عليه بالنبوة يستحيل أن يكون أحد هذين، وبدأ بقولهم المتناقض لينبه أولاً على فساد آرائهم ويجعله دستوراً في إعراضهم عن الحق وإيثار اتباع أهوائهم فما أبعد حال من كان أتقنهم رأياً وأرجحهم عقلاً وأبينهم آياً منذ ترعرع إلى أن بلغ الأشدّ عن الجنون والكهانة على أنهما متناقضان لأن الكهان كانوا عندهم من كامليهم وكان قولهم إماماً متبعاً عندهم فأين الكهانة من الجنون، ثم ترقى مضرباً إلى قولهم فيه وحاشاه صلى الله عليه وسلم أنه شاعر لأنه أدخل في الكذب من الكاهن والمجنون وقديماً قيل: أحسن الشعر أكذبه ليبين حال تلجلجهم واضطرابهم، وقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4