الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ وَٱللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاَتُ ٱلأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } * { ذَلِكَ أَمْرُ ٱللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }

قوله تعالى: { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ }. فيه سبع مسائل: الأولى ـ: قوله تعالى: { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ } لما بين أمر الطلاق والرّجعة في التي تحيض، وكانوا قد عرفوا عِدّة ذوات الأقراء، عرفهم في هذه السورة عدّة التي لا ترى الدم. وقال أبو عثمان عمر بن سالم: لما نزلت عدّة النساء في سورة «البقرة» في المطلقة والمتوفى عنها زوجها قال أبَّي بن كعب: يا رسول الله، إن ناساً يقولون قد بقي من النساء من لم يذكر فيهن شيء: الصغار وذوات الحمل، فنزلت: { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ } الآية. وقال مقاتَل: لما ذكر قوله تعالى:وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ } قال خَلاّد بن النعمان: يا رسول الله، فما عِدّة التي لم تَحِض، وعِدّة التي انقطع حَيْضُها، وعدّة الحبلى؟ فنزلت: { وَٱللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ ٱلْمَحِيضِ مِن نِّسَآئِكُمْ } يعني قَعدن عن المحيض. وقيل: إن معاذ بن جَبل سأل عن عدّة الكبيرة التي يئست فنزلت الآية. والله أعلم. وقال مجاهد: الآية واردة في المستحاضة لا تَدري دَمَ حَيْض هو أو دم عِلة. الثانية ـ: قوله تعالى: { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } أي شككتم، وقيل تَيَقَّنتم. وهو من الأضداد يكون شكّاً ويقيناً كالظنّ. واختيار الطبري أن يكون المعنى: إن شككتم، فلم تدروا ما الحكم فيهنّ. وقال الزجاج: إن ارتبتم في حيضها وقد انقطع عنها الحيض وكانت ممن يحيض مثلها. القشيريّ: وفي هذا نظر لأنّا إذا شككنا هل بلغت سِن اليأس لم نقل عدتها ثلاثة أشهر. والمعتبر في سن اليأس في قول: أقصى عادة امرأة في العالم، وفي قولٍ: غالب نساء عشيرة المرأة. وقال مجاهد: قوله { إِنِ ٱرْتَبْتُمْ } للمخاطبين يعني إن لم تعلموا كم عدّة اليائسة والتي لم تحض فالعِدّة هذه. وقيل: المعنى إن ارتبتم أن الدم الذي يظهر منها من أجل كِبر أو من الحيض المعهود أو من الاستحاضة فالعدة ثلاثة أشهر. وقال عكرمة وقتادة: من الرِّيبة المرأة المستحاضة التي لا يستقيم لها الحيض تحيض في أوّل الشهر مراراً وفي الأشهر مرة. وقيل: إنه متصل بأول السورة. والمعنى: لا تُخرجوهن من بيُوتهن إن ارتبتم في انقضاء العدّة. وهو أصح ما قيل فيه. الثالثة ـ: المرتابة في عدتها لا تنكح حتى تستبرىء نفسها من رِيبتها، ولا تخرج من العدة إلا بارتفاع الريبة. وقد قيل في المرتابة التي ترفعها حيضتها وهي لا تدري ما ترفعها: إنها تنتظر سنة من يوم طلقها زوجها منها تسعة أشهر استبراء، وثلاثة عدة. فإن طلقها فحاضت حيضة أو حيضتين ثم ارتفع عنها بغير يأس منها انتظرت تسعة أشهر، ثم ثلاثة من يوم طهرت من حيضتها ثم حَلّت للأزواج.

السابقالتالي
2 3