الرئيسية - التفاسير


* تفسير مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي (ت 606 هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلْيَنظُرِ ٱلإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ } * { خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } * { يَخْرُجُ مِن بَيْنِ ٱلصُّلْبِ وَٱلتَّرَآئِبِ }

وفيه مسائل: المسألة الأولى: الدفق صب الماء، يقال: دفقت الماء، أي صببته وهو مدفوق، أي مصبوب، ومندفق أي منصب، ولما كان هذا الماء مدفوقاً اختلفوا في أنه لم وصف بأنه دافق على وجوه الأول: قال الزجاج: معناه ذو اندفاق، كما يقال: دراع وفارس ونابل ولابن وتامر، أي درع وفرس ونبل ولبن وتمر، وذكر الزجاج أن هذا مذهب سيبويه الثاني: أنهم يسمون المفعول باسم الفاعل. قال الفراء: وأهل الحجاز أفعل لهذا من غيرهم، يجعلون المفعول فاعلاً إذا كان في مذهب النعت، كقوله سر كاتم، وهم ناصب، وليل نائم، وكقوله تعالى:فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [القارعة: 7] أي مرضية الثالث: ذكر الخليل في الكتاب المنسوب إليه دفق الماء دفقاً ودفوقاً إذا انصب بمرة، واندفق الكوز إذا انصب بمرة، ويقال في الطيرة عند انصباب الكوز ونحوه: دافق خير، وفي كتاب قطرب: دفق الماء يدفق إذا انصب الرابع: صاحب الماء لما كان دافقاً أطلق ذلك على الماء على سبيل المجاز. المسألة الثانية: قرىء الصلب بفتحتين، والصلب بضمتين، وفيه أربع لغات: صلب وصلب وصلب وصالب: المسألة الثالثة: ترائب المرأة عظام صدرها حيث تكون القلادة، وكل عظم من ذلك تريبة، وهذا قول جميع أهل اللغة. قال امرؤ القيس:
ترائبهــا مصقولـة كالسجنجــل   
المسألة الرابعة: في هذه الآية قولان: أحدهما: أن الولد مخلوق من الماء الذي يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة. وقال آخرون: إنه مخلوق من الماء الذي يخرج من صلب الرجل وترائبه، واحتج صاحب القول الثاني على مذهبه بوجهين الأول: أن ماء الرجل خارج من الصلب فقط، وماء المرأة خارج من الترائب فقط، وعلى هذا التقدير لا يحصل هناك ماء خارج من بين الصلب والترائب، وذلك على خلاف الآية الثاني: أنه تعالى بين أن الإنسان مخلوق { مِن مَّاء دَافِقٍ } والذي يوصف بذلك هو ماء الرجل، ثم عطف عليه بأن وصفه بأنه يخرج، يعني هذا الدافق من بين الصلب والترائب، وذلك يدل على أن الولد مخلوق من ماء الرجل فقط أجاب: القائلون بالقول الأول عن الحجة الأولى: أنه يجوز أن يقال للشيئين المتباينين: أنه يخرج من بين هذين خير كثير، ولأن الرجل والمرأة عند اجتماعهما يصيران كالشيء الواحد، فحسن هذا اللفظ هناك، وأجابوا عن الحجة الثانية: بأن هذا من باب إطلاق اسم البعض على الكل، فلما كان أحد قسمي المني دافقاً أطلق هذا الاسم على المجموع، ثم قالوا: والذي يدل على أن الولد مخلوق من مجموع الماءين أن مني الرجل وحده صغير فلا يكفي، ولأنه روي أنه عليه السلام قال: " إذا غلب ماء الرجل يكون الولد ذكراً ويعود شبه إليه وإلى أقاربه، وإذا غلب ماء المرأة فإليها وإلى أقاربها يعود الشبه "

السابقالتالي
2