الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

قيل: إن تمام الكلام { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } ثم قال { سَلاَمٌ }. روِي ذلك عن نافع وغيره أي ليلة القدر سلامة وخير كلها لا شر فيها. { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } أي إلى طلوع الفجر. قال الضحاك: لا يقدّر الله في تلك الليلة إلا السلامة، وفي سائر الليالي يقضي بالبلايا والسلامة. وقيل: أي هي سلام أي ذات سلامة من أن يؤثر فيها شيطان في مؤمن ومؤمنة. وكذا قال مجاهد: هي ليلة سالمة، لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً ولا أذى. وروي مرفوعاً. وقال الشعبيّ: هو تسليم الملائكة على أهل المساجد، من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر يمرون على كل مؤمن، ويقولون: السلام عليك أيها المؤمن. وقيل: يعني سلام الملائكة بعضهم على بعض فيها. وقال قتادة: { سَلاَمٌ هِيَ }: خير هي. { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } أي إلى مطلع الفجر. وقرأ الكسائي وابن مُحَيصِن «مَطلِع» بكسر اللام، الباقون بالفتح. والفتح والكسر: لغتان في المصدر. والفتح الأصل في فَعَلَ يَفْعُل نحو المقتل والمخرج. والكسر على أنه مما شذ عن قياسه نحو المشرِق والمغرِب والمنبِت والمسكِن والمنسِك والمحشِر والمسقِط والمجزِر. حكى في ذلك كله الفتح والكسر على أن يُراد به المصدر لا الاسم. وهنا ثلاث مسائل: الأولى: في تعيين ليلة القدر وقد اختلف العلماء في ذلك. والذي عليه المُعْظَم أنها ليلة سبع وعشرين لحديث زِرّ بن حُبَيْش قال: قلت لأبيّ بن كعب: إن أخاك عبد الله بن مسعود يقول: من يَقِم الحَول يصِب ليلة القدر. فقال: يغفِر الله لأبي عبد الرحمن! لقد عَلِم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها ليلة سبع وعشرين ولكنه أراد ألا يتكل الناس ثم حلف لا يستثني: أنها ليلة سبع وعشرين. قال قلت: بأيّ شيء تقول ذلك يا أبا المنذر؟ قال: بالآية التي أخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو بالعلامة أن الشمس تطلع يومئذٍ لا شعاع لها. قال الترمذيّ: حديث حسن صحيح. وخرجه مسلم. وقيل: هي في شهر رمضان دون سائر العام قاله أبو هريرة وغيره. وقيل: هي في ليالي السنة كلها. فمن علق طلاق امرأته أو عتق عبده بليلة القدر، لم يقع العِتق والطلاق إلا بعد مضِي سنة من يوم حلف. لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشك، ولم يثبت اختصاصها بوقت فلا ينبغي وقوع الطلاق إلا بمضي حول، وكذلك العِتق وما كان مِثله من يمين أو غيره. وقال ابن مسعود: من يَقُمِ الحول يصِبها فبلغ ذلك ابن عمر، فقال: يرحم الله أبا عبد الرحمن! أما إنه عَلِم أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان، ولكنه أراد ألا يتكل الناس. وإلى هذا القول ذهب أبو حنيفة أنها في جميع السنة.

السابقالتالي
2 3