الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } * { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } * { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } * { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } * { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً }

{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } إقسام بخيل الغزاة التي تعدو نحو العدو، فتضبح. و (الضبح) صوت أنفاسِها إذا عَدَتْ. وليس المراد بالصوت الصهيل. بل قواها (اح. اح) كما قاله ابن عباس. ونصب { ضَبْحاً } إما بفعله المحذوف، أو بالعاديات لإفادته معناه، أو بالحالية { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } أي: تورى النار بحوافرها. والقدح هو الضرب لإخراج النار، والإيراء يترتب عليه. لأنه إخراج النار وإيقادها. فإيراؤها ما يرى من صدم حوافرها للحجارة. وتسمى نار الحباحب. ولما كان مرتباً على عَدْوها، عطفه بالفاء. وكون المراد به الحرب - بعيد. وفي إعرابه الوجوه السابقة.

{ فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } أي: تغير على العدوّ في وقته. يقال: (أغار على العدوّ) إذا هجم عليه ليقتله أو يأسره أو يستلب ماله.

قال الإمام: وهو وصف عرض للخيل من الغاية التي أجريت لها. أي: أنها تعدو ويشتد عدوها حتى يخرج الشرر من حوافرها، لتهجم على عدوّ وقت الصباح، وهو وقت المفاجأة لأخذ العدو على غير أهبة { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } أي: فأهجن، بذلك الوقت غباراً من الإثارة. وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه ليرتفع. والنقع: الغبار كما ذكرنا، وورد بمعنى الصياح. فجوز إرادته هنا بمعنى صياح من هجم عليه، وأوقع به. لا صياح المغير على المحارب، وإن جاز على بُعْد فيه. أي: هيجن الصياح بالإغارة على العدوّ، وضمير { بِهِ } للوقت والباء ظرفية. وفيه احتمالات أخر. ككونه للعدو أو للإغارة، لتأويلها بالجري. فالباء سببية أو للملابسة. ويجوز كونها ظرفية أيضاً. والضمير للمكان الدال عليه السياق، للعلم بأن الغبار لا يثار إلا من موضع. وهو الذي اختاره ابن جرير.

قال الشهاب: وذكر إثارة الغبار، للإشارة إلى شدة العَدْوِ وكثرة الكرّ والفرّ. وتخصيص الصبح؛ لأن الغارة كانت معتادة فيه. أي: لمباغتة العدوّ. والغبار إنما يظهر نهاراً، و { أَثَرْنَ } معطوف على ما قبله.

قال الناصر: وحكمة الإتيان بالفعل معطوفاً على الاسم، الذي هو العاديات أو ما بعده؛ لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل. وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلا عن اسم فاعل، تصوير هذه الأفعال في النفس. فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف. وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة. وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي.

وقوله تعالى: { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } أي: فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء، ففرقنه وشتتنه. يقال: (وسطت القوم) بالتخفيف و (وسطته) بالتشديد و (توسطته) بمعنى واحد. وفي الضمير الوجوه المتقدمة.

قال الإمام رحمه الله: أقسم تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها، آتية بالأعمال التي سردها لينوه بشأنها ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد. ليعنوا بقنيتها وتدريبها على الكر والفر، وليحملهم أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل، والإغارة بها.

السابقالتالي
2