الرئيسية - التفاسير


* تفسير التسهيل لعلوم التنزيل / ابن جزي الغرناطي (ت 741 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } * { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } * { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } * { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } * { وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ }

{ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ } تقدم معنى أعوذ في التعوذ ومعنى رب في اللغات والفاتحة، وفي الفلق ثلاثة أقوال: الأول: أنه الصبح ومنه فالق الإصباح قال الزمخشري: هو فعل بمعنى مفعول، الثاني: أنه كل ما يفلقه الله كفلق الأرض عن النبات والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر والأرحام عن الأولاد والحب والنوى وغير ذلك، الثالث: أنه جُبٌ في جهنم. وقد رُوي هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } هذا عموم في جميع المخلوقات وشرهم على أنواع كثيرة، أعاذنا الله منها. وما هنا موصولة أو موصوفة أو مصدرية { وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } فيه سبعة أقوال، الأول: أنه الليل إذا أظلم ومنه قوله تعالى:إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ } [الإسراء: 78] وهذا قول الأكثرين، وذلك ظلمة الليل ينتشر عندها أهل الشر من الإنس والجن، ولذلك قال في المثل: الليل أخفى للويل. الثاني: أنه القمر. خرَّج النسائي " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى القمر فقال: يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا، فإنه الغاسق إذا وقب " ووقوبه هذا كسوفه، لأن وقب في كلام العرب يكون بمعنى الظلمة والسواد وبمعنى الدخول فالمعنى إذا دخل في الكسوف أو إذا أظلم به. الثالث: أنه الشمس إذا غربت والوقوب على هذا المعنى الظلمة أو الدخول. الرابع: أن الغاسق النهار إذا دخل في الليل، وهذا قريب من الذي قبله، الخامس: أن الغاسق سقوط الثريا وكانت الأسقام والطاعون تهيج عنده، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: النجم هو الغاسق فيحتمل أن يريد الثريا السادس: قال الزمخشري: يجوز أن يراد بالغاسق الأسود من الحيات ووقبه ضربه السابع: أنه إبليس حكى ذلك السهيلي { وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ } النفث شبه النفخ دون تفل وريق قاله ابن عطية، وقال الزمخشري: هو النفخ مع ريق وهذا النفث ضرب من السحر وهو: أن ينفث على عقد تعقد في خيط أو نحوه على اسم مسحور فيضره ذلك، وحكى ابن عطية أنه حدثه ثقة أنه رأى عند بعض الناس بصحراء المغرب خيطاً أحمر قد عقدت فيه عقد على فُصْلان وهي أولاد الإبل فمنعها بذلك من رضاع أمهاتها، فكان إذا حل عقدة جرى ذلك الفصيل إلى أمه فرضع في الحين قال الزمخشري: إن في الاستعاذة من النفاثات ثلاثة أوجه: أحدها: أن يستعاذ من مثل عملهن وهو السحر، من ائتمن في ذلك. والثاني: أن يستعاذ من خداعهن للناس وفتنتهن والثالث: أن يستعاذ مما يصيب من الشر عند نفثهن. والنفاثات بناء مبالغة والموصوف محذوف تقديره: النساء النفاثات، والجماعة النفاثات، أو النفوس النفاثات، والأول أصح لأنه روي أنه إشارة إلى بنات لبيد بن الأعصم اليهودي، وكنَّ ساحرات سحرن هن وأبوهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقدن له إحدى عشر عقدة، فأنزل الله المعوذتين إحدى عشر آية بعدد العقد وشفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن قيل: لم عرّف النفاثات بالألف واللام ونكر ما قبله وهو غاسق وما بعده وهو حاسد مع أن الجميع مستعاذ منه؟ فالجواب: أنه عرف النفاثات ليفيد العموم لأنه كل نفاثة شريرة بخلاف الغاسق والحاسد فإن شرهما في بعض دون البعض.

السابقالتالي
2