الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا }

قوله: { وَمَا بَنَاهَا }: وما بعدَه، فيه وجهان، أحدُهما: أنَّ " ما " موصولةٌ بمعنىٰ الذي، وبه استشهد مَنْ يُجَوِّزُ وقوعَها على آحادِ أولي العلم؛ لأنَّ المرادَ به الباري تعالى، وإليه ذهب الحسنُ ومجاهدٌ وأبو عبيدةَ، واختاره ابن جرير. والثاني: أنها مصدريةٌ، أي: وبناءِ السماء، وإليه ذهبَ الزجَّاج والمبرد، وهذا بناءً منهما على أنها مختصةٌ بغيرِ العقلاءِ، واعْتُرِضَ على هذا القولِ: بأنَّه يَلْزَمُ أَنْ يكونَ القَسَمُ بنفسِ المصادر: بناءِ السماء وطَحْوِ الأرضِ وتَسْويةِ النفس، وليس المقصودُ إلاَّ القَسَمَ بفاعلِ هذه الأشياءِ وهو الرَّبُّ تبارك وتعالىٰ. وأُجِيب عنه بوجهَيْن، أحدُهما: يكونُ على حَذْفِ مضافٍ، أي: وربِّ - أو باني - بناءِ السماء ونحوه. والثاني: أنه لا غَرْوَ في الإِقسام بهذه الأشياء كما أَقْسم تعالىٰ بالصبح ونحوه.

وقال الزمخشري: " جُعِلَتْ مصدريةً وليس بالوجهِ لقولِه " فأَلْهمها " وما يؤدي إليه مِنْ فسادِ النظم. والوجهُ أَنْ تكونَ موصولةً، وإنما أُوْثِرَتْ على " مَنْ " لإِرادة معنى الوصفية كأنه قيل: والسماءِ والقادرِ العظيم الذي بناها، ونفس والحكيمِ الباهرِ الحكمةِ الذي سَوَّاها. وفي كلامهم: " سبحانَ ما سَخَّرَكُنَّ لنا " انتهى. يعني أنَّ الفاعلَ في " فألهمها " عائدٌ على اللَّهِ تعالىٰ فليكُنْ في " بناها " كذلك، وحينئذٍ يَلْزَمُ عَوْدُه على شيءٍ وليس هنا ما يمكنُ عَوْدُه عليه غيرُ " ما " فتعيَّنَ أَنْ تكونَ موصولةً.

وقال الشيخ: " أمَّا قولُه: " وليس بالوجهِ لقولِه " فَأَلْهمها " يعني مِنْ عَوْدِ الضمير في " فَأَلْهمها " على الله تعالىٰ، فيكونُ قد عاد على مذكورٍ وهو " ما " المرادُ به الذي. قال: " ولا يَلْزَمُ ذلك؛ لأنَّا إذا جَعَلْناها مصدريةً عاد الضميرُ على ما يُفْهَمُ مِنْ سياق الكلامِ، ففي " بناها " ضميرٌ عائدٌ على الله تعالىٰ، أي: وبناها هو، أي: الله تعالىٰ، كما إذا رأيتَ زيداً قد ضرب عَمْراً فتقول: " عجبتُ مِمَّا ضَرَبَ عمراً " تقديره: مِنْ ضَرْبِ عمروٍ هو، كان حسناً فصيحاً جائزاً، وعَوْدُ الضمير على ما يُفْهَمُ مِنْ سياقِ الكلامِ كثيرٌ وقوله: " وما يُؤدِّي إليه مِنْ فسادِ النظم " ليس كذلك، ولا يُؤدِّي جَعْلُها مصدريةً إلى ما ذُكِرَ، وقوله: " وإنما أُوْثِرَتْ " إلى آخره لا يُراد بما ولا بمَنْ الموصولتين معنى الوصفيةِ؛ لأنهما لا يُوْصفُ بهما بخلاف " الذي " فاشتراكُهما في أنَّهما لا يُؤَدِّيان معنىٰ الوصفيةِ موجودٌ بينهما فلا تنفردُ به " ما " دون " مَنْ " وقوله::وفي كلامِهم " إلى آخره تَأَوَّله أصحابُنا علىٰ أنَّ " سبحان " عَلَم و " ما " مصدريةٌ ظرفيةٌ " انتهى.

السابقالتالي
2