الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ كَمَا كُبِتَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ } * { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوۤاْ أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أَدْنَىٰ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّ الذين يُحادون اللّهَ ورسولَه } أي: يُعادونهما ويُشاقونهما فإنَّ كُلاَّ من المتعادين في عدوةٍ وشِقٍّ غير الآخر، وكذلك يكون كُلُّ واحدٍ منهما في حدّ غير حدّ الآخر،غير أنَّ لذكر المُحادَّة هنا لمّا ذكر حدود الله مِن حسن الموقع ما لا غاية وراءه. ثم أخبر عنهم فقال: { كُبِتُوا } أي: أُخذوا وأُهلكوا، أو: لُعنوا { كما كُبِتَ الذين من قبلهم } من كُفار الأمم الماضية المعادين للرسل عليهم السلام. وقال القشيري: يُحادّون: يُخالفون أمر الله، ويتركون طاعة رسول الله، أذِلُّوا وأُخْزوا كما أُذِلَّ مَنْ قبلهم من الكفار والعصاة. نزلت في المستهزئين يوم ا لخندق، إذ الله أجرى سُنته بالانتقام من أهل الإجرام، ومَن ضيَّعَ لرسول الله سُنةً واحدة في دينه ببدعة انخرط في سلك هذا الخزي، ووقع في هذا الذُّل. هـ. وقال ابن عطية: الآية نزلت في المنافقين واليهود، وكانوا يتربصون بالرسول والمؤمنين الدوائر، ويتمنون فيهم المكروه، ويتناجون بذلك. هـ. { وقد أنزلنا آياتٍ بيناتٍ }: حال من ضمير " كُبتوا " أي: كُبتوا بمحادتهم، والحال أنَّا قد أنزلنا آيات واضحات فيمن حاد الله ورسولَه، ممن قبلهم من الأمم وفيما فعلنا بهم، أو: آيات على صدق الرسول وصحة ما جاء به، { وللكافرين } بهذه الآيات، أو: بكل ما يجب الإيمان به، فيدخل فيه تلك الآيات دخولاً أوليّاً، { عذابٌ مهين } يذهب بعزِّهم وكِبْرهم. واذكر { يومَ يبعثهم اللهُ جميعاً } أو: لهم ذلك العذاب { يومَ يبعثهم اللهُ جميعاً } أي: لا يترك أحداً منهم، أو مجتمعين في حال واحد وصعيدٍ واحد، { فيُنَبئهم بما عمِلوا } من القبائح، تخجيلاً لهم، وتشهيراً لحالهم، وتشديداً لعذابهم، فيتمنون حينئذ المسارعة إلى النار، لِما يلحقهم من الخزي على رؤوس الأشهاد، { أحصاه اللهُ } أحاط به عدداً، لم يفته منه شيء، والجملة استئناف بياني، كأنه قيل: كيف ينبئهم بما عملوا، وهي أعراض مُنقضية متلاشية، فقيل: { أحصاه اللهُ ونَسًوه } أي: قد نسوه لأنهم تهاونوا به حين ارتكبوه وإنما تحفظ معظّمات الأمور. وهو حال أيضاً. { واللهُ على كل شيءٍ شهيدٌ } لا يغيب عنه شيء. والجملة اعتراض تذييلي، مقرِّرة لإحصائه تعالى. ثم استشهد على شمول شهادته تعالى، فقال: { ألم تَرَ أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض } فهو كقوله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِى رَبِّهِ } [البقرة: 258]،أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } [الشعراء: 225] أي: ألم تعلم علماً مزاحماً للمشاهدة أنَّ الله يعلم ما استقر في السماوات وما في الأرض من الموجودات، { ما يكونُ من نجْوَى ثلاثةٍ }: استئناف مُقَرِّر لِما قبله مِن سعة علمه تعالى، ومُبَيّن لكيفيته، و " كان " تامة، أي: ما يقع من تناجي ثلاثة نفر في مساررتهم { إِلاَّ هو } أي: الله تعالى { رابعُهم } أي: جاعلهم أربعة من حيث إنه تعالى يُشاركهم في الاطلاع عليها، { ولا خمسةٍ } أي: ولا نجوى خمسة { إِلاّ هو سادسُهم ولا أدنَى } ولا أقل { من ذلك ولا أكثرَ إِلاّ هو معهم } يعلم ما يتناجون به، فلا يخفى عليهم ما هم فيه.

السابقالتالي
2 3