الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يٰبُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

{ قَالَ يٰبُنَيَّ } صغره للشفقة ويسمي النحاة مثل هذا تصغير التحبيب، وما ألطف قول بعض المتأخرين:
/ قد صغر الجوهر في ثغره   لكنه تصغير تحبيب
ويحتمل أن يكون لذلك ولصغر السن، وفتح الياء قراءة حفص، وقرأ الباقون بكسرها، والجملة استئناف مبني على سؤال كأنه قيل: فماذا قال الأب بعد سماع هذه الرؤية العجيبة من ابنه؟ فقيل: قال: { يٰبُنَيَّ } { لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا } أي فيحتالوا لإهلاكك حيلة عظيمة لا تقدر على التقصي عنها أو خفية لا تتصدى لمدافعتها، وإنما قال له ذلك لما أنه عليه السلام عرف من رؤياه أن سيبلغه الله تعالى مبلغاً جليلاً من الحكمة ويصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين فخاف عليه حسد الإخوة وبغيهم فقال له ذلك صيانة لهم من الوقوع فيما لا ينبغي في حقه وله من معاناة المشاق ومقاساة الأحزان وإن كان واثقاً بأنهم لا يقدرون على تحويل ما دلت عليه الرؤيا وأنه سبحانه سيحقق ذلك لا محالة وطمعاً في حصوله بلا مشقة وليس ذلك من الغيبة المحظورة في شيء.

والرؤيا مصدر رأى الحلمية الدالة على ما يقع في النوم سواء كان مرئياً أم لا على ما هو المشهور، والرؤية مصدر رأى البصرية الدالة على إدراك مخصوص، وفرق بين مصدر المعنيين بالتأنيثين، ونظير ذلك القربة للتقرب المعنوي بعبادة ونحوها، والقربى للتقرب النسبـي ((وحقيقتها عند أهل السنة كما قال محي الدين النووي نقلاً عن المازني: أن الله سبحانه يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه يخلق ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة، وقد جعل سبحانه تلك الاعتقادات علماً على أمور أخر يخلقها في ثاني الحال، ثم إن ما يكون علماً على ما يسر يخلقه بغير حضرة الشيطان وما يكون علماً على ما يضر يخلقه بحضرته، ويسمى الأول رؤيا وتضاف إليه تعالى إضافة تشريف، والثاني حلماً وتضاف إلى الشيطان كما هو الشائع من إضافة الشيء المكروه إليه، وإن كان الكل منه تعالى، وعلى ذلك جاء قوله صلى الله عليه وسلم: " الرؤيا من الله تعالى والحلم من الشيطان " وفي الصحيح عن أبـي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله تعالى فليحمد الله تعالى وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم ومن شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره " وصح عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فيبصق عن يساره ثلاثاً وليستعذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم وليتحول عن جنبه الذي كان عليه "

السابقالتالي
2 3 4 5 6