الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ }



{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ } شروع في تفصيل ما أجمل في قوله تعالى:وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ } [إبراهيم: 4] الآية { بِـئَايَـٰتِنَا } أي ملتبساً بها وهي كما أخرج ابن جرير وغيره عن مجاهد وعطاء وعبيد بن عمير الآيات التسع التي أجراها الله تعالى على يده عليه السلام، وقيل: يجوز أن يراد بها آيات التوراة { أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ } بمعنى أي أخرج ـ فأن ـ تفسيرية لأن في الإرسال معنى القول دون حروفه أو بأن أخرج فهي مصدرية حذف قبلها حرف الجر لأن أرسل يتعدى بالباء، والجار يطرد حذفه قبل أن وأن، واتصال المصدرية بالأمر أمر مر تحقيقه. وزعم بعضهم أن { أن } هنا زائدة ولا يخفى ضعفه، والمراد من قومه عليه السلام كما هو الظاهر بنو إسرائيل ومن إخراجهم إخراجهم بعد مهلك فرعون { مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ } من الكفر والجهالات التي كانوا فيها وأدت بهم إلى أن يقولوا:قَالُواْ يٰمُوسَى ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ } [الأعراف: 138] { إِلَى ٱلنُّورِ } إلى الإيمان بالله تعالى وتوحيده وسائر ما أمروا به، وقيل: أخرجهم من ظلمات النقص إلى نور الكمال { وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ ٱللَّهِ } أي بنعمائه وبلائه كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، واختاره الطبري لأنه الأنسب بالمقام والأوفق بما سيأتي إن شاء الله تعالى من الكلام، والعطف على { أَخْرِجْ } وجوز أن تكون الجملة مستأنفة، والالتفات من التكلم إلى الغيبة بإضافة الأيام إلى الاسم الجليل للإيذان بفخامة شأنها والإشعار ـ على ما قيل ـ بعدم اختصاص ما فيها من المعاملة بالمخاطب وقومه كما يوهمه الإضافة إلى ضمير المتكلم، وحاصل المعنى عظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد. وعن ابن عباس أيضاً والربيع ومقاتل وابن زيد المراد ـ بأيام الله ـ وقائعه سبحانه ونقماته في الأمم الخالية، ومن ذلك أيام العرب لحروبها وملاحمها كيوم ذي قار ويوم الفجار ويوم قضة وغيرها، واستظهره الزمخشري للغلبة العرفية وأن العرب استعملته للوقائع، وأنشد الطبرسي/ لذلك قول عمرو بن كلثوم:
وأيام لنا غرر طوال   عصينا الملك فيها إن ندينا
وأنشده الشهاب للمعنى السابق، وأنشد لهذا قوله:
وأيامنا مشهورة في عدونا   
وأخرج النسائي وعبد الله بن حمد في «زوائد المسند» والبيهقي في " شعب الإيمان ". وغيرهم عن أبـي بن كعب عن النبـي صلى الله عليه وسلم أنه فسر الأيام في الآية بنعم الله تعالى وآلائه، وروى ذلك ابن المنذر عن ابن عباس ومجاهد، وجعل أبو حيان من ذلك بيت عمرو، والأظهر فيه ما ذكره الطبرسي.

وأنت تعلم أنه إن صح الحديث فعليه الفتوى، لكن ذكر شيخ الإسلام في ترجيح التفسير المروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أولاً على ما روي ثانياً بأنه يرد الثاني ما تصدى له عليه السلام بصدد الامتثال من التذكير بكل من السراء والضراء مما جرى عليهم وعلى غيرهم حسبما يتلى بعد، وهو يبعد صحة الحديث، والقول بأن النقم بالنسبة إلى قوم نعم بالنسبة إلى آخرين كما قيل:

السابقالتالي
2 3