الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ }

{ سَلاَمٌ } وهو مصدر بمعنى السلامة خبر مقدم وقوله تعالى: { هِيَ } مبتدأ أي هي سلام من كل أمر مخوف وتعلقه بذلك على التوسع في الظرف وإلا فمعمول المصدر لا يتقدم عليه في المشهور وقيل هو متعلق بمحذوف مقدم يفسره المذكور ومن وقف على كلام العلامة التفتازاني في أوائل «شرح التلخيص» في مثل ذلك استغنى عما ذكر. وقيلمِّن كُلِّ أَمْرٍ } [القدر: 4] متعلق بتنزل لكن على معنى تنزل إلى الأرض منفصلة من كل أمر لها في السماء وتاركة له وفيه إشارة إلى مزيد الاهتمام بالتنزل إلى الأرض وفيه من البعد ما فيه وتقديم الخبر للحصر كما في تميمي أنا والإخبار بالمصدر للمبالغة أي ما هي إلا سالمة جداً حتى كأنها عين السلامة.

قال الضحاك في معنى ذلك إنه تعالى لا يقدر ولا يقضي فيها إلا السلامة قيل أي لا ينفذ تقديره تعالى ويتعلق قضاؤه إلا بذلك وحاصله لا يوجد إلا ذلك وقال مجاهد: إنها سالمة من الشيطان وأذاه وروي أن الشيطان لا يخرج في ليلة القدر حتى يضىء فجرها ولا يستطيع أن يصيب فيها أحداً بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد ولا ينفذ فيها سحر ساحر ولعل ما يصدر من المعاصي على هذا من النفس الأمارة بالسوء لا بواسطة الشيطان.

واستشكل كلام الضحاك بناءً على ما قيل فيه بأنه لا تخلو ليلة من الشر والأمر المخوف ولا موجد إلا الله عز وجل فلعله أراد ما تقدم نقله غير بعيد من أن الله تعالى إنما يقدر في هذه الليلة السلامة والخير أي لا يظهر سبحانه للملائكة عليهم السلام إلا تقديره عز وجل ذلك.

وقيل ما هي إلا سلامة على نحو ما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة والمراد أنها سبب تام للسلامة والنجاة من المهالك يوم القيامة حيث إن من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه. وقيل السلام مصدر بمعنى التسليم أي ما هي إلا تسليم لكثرة التسليم والمسلمين من الملائكة على المؤمنين فيها وروي ذلك عن الشعبـي ومنصور وجعلها عين التسليم للمبالغة أيضاً.

وقوله تعالى: { حَتَّىٰ مَطْلَعِ ٱلْفَجْرِ } غاية تبين تعميم السلامة أو التسليم كل الليلة فالجار متعلق بسلام و(مطلع) اسم زمان وقد صرحوا أنه من يفعَل ويفعُل بفتح العين وضمها على مفعَل مفتوح العين وجوز كونه مصدراً ميمياً بمعنى الطلوع ويحتاج إلى تقدير مضاف قبله هو وقت أو ما في معناه لتتحد الغاية والمغيا فيكونان من جنس واحد وصح تعلق الجار بذلك مع الفصل لأنه ليس بمصدر نظراً للحقيقة وأفاد الطبرسي وغيره أنه لا بد من تأويله بسالمة أو مسلمة ليصح التعلق أما لو أبقى على مصدريته فلا يصح للزوم الفصل بين الصلة والموصول وذهب بعضهم إلى أن الفصل بين المصدر ومعموله بالمبتدأ مغتفر وجوز أن تتعلق الغاية بتنزل على معنى أنه لا ينقطع تنزلهم فوجاً بعد فوج إلى وقت طلوع الفجر وتعقب بأنه تعسف لأن { سَلاَمٌ هِيَ } أجنبـي وليس باعتراض فلا يحسن الفصل به وجعله حالاً من الضمير المجرور في قوله تعالى

السابقالتالي
2 3 4 5