الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ } «إذ» في موضع نصب. و «فَرَقْنَا» فلقنا فكان كل فِرْق كالطَّوْد العظيم، أي الجبل العظيم. وأصل الفَرْق الفصل ومنه فَرْق الشّعر ومنه الفُرقان لأنه يفرق بين الحق والباطل أي يفصل ومنه:فَٱلْفَارِقَاتِ فَرْقاً } [المرسلات: 4] يعني الملائكة تنزل بالفرق بين الحق والباطل ومنه:يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } [الأنفال: 41] يعني يوم بَدْر، كان فيه فرق بين الحق والباطل، ومنه:وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ } [الإسراء: 106] أي فصّلناه وأحكمناه. وقرأ الزُّهْرِيّ: «فرّقنا» بتشديد الراء أي جعلناه فرقاً. ومعنى «بكم» أي لكم، فالباء بمعنى اللام. وقيل: الباء في مكانها أي فرقنا البحر بدخولكم إياه. أي صاروا بين الماءين، فصار الفرق بهم وهذا أوْلَى يبيّنهفَٱنفَلَقَ } [الشعراء: 63]. قوله تعالى: { ٱلْبَحْرَ } البحر معروف، سُمي بذلك لاتساعه. ويقال: فَرَسٌ بَحْرٌ إذا كان واسع الجَرْي أي كثيره. ومن ذلك " قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في مَنْدُوب فرس أبي طلحة: «وإنْ وجدناه لبحراً» " والبحر: الماء الملح. ويقال: أبحر الماء: مَلُح قال نُصَيب:
وقد عاد ماءُ الأرض بَحْراً فزادني   إلى مَرَضِي أن أبْحَرَ المَشْربُ العذْبُ
والبحر: البلدة يقال: هذه بَحْرَتُنا أي بلدتنا. قاله الأُمويّ. والبَحَر: السُّلال يصيب الإنسان. ويقولون: لقيته صَحْرَةً بَحْرَةً أي بارزاً مكشوفاً. وفي الخبر عن كعب الأحبار قال: إن لله ملَكاً يقال له: صندفاييل، البحار كلها في نقرة إبهامه. ذكره أبو نعيم عن ثور بن يزيد عن خالد بن مَعْدان عن كعب. قوله تعالى: { فَأَنجَيْنَاكُمْ } أي أخرجناكم منه يقال: نجوت من كذا نجاء، ممدود، ونجاة، مقصور. والصدق منجاة. وأنجيت غيري ونجّيته وقرىء بهما «وإذ نجيناكم»، «فأنجيناكم». قوله تعالى: { وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ } يقال: غَرق في الماء غَرَقاً فهو غَرِق وغارق أيضاً ومنه قول أبي النَّجْم:
من بين مقتولٍ وطافٍ غارِقِ   
وأغرقه غيره وغَرّقه فهو مغرَّق وغريق. ولجام مغرّق بالفضة أي مُحَلًّى. والتغريق: القتل قال الأعشى:
ألا ليت قَيْساً غَرّقته القوابل   
وذلك أن القابلة كانت تغرّق المولود في ماء السَّلَى عام القحط، ذكرا كان أو أنثى حتى يموت، ثم جعل كل قتل تغريقاً ومنه قول ذي الرُّمة:
إذا غَرَّقتْ أرباضُها ثِنْيَ بَكْرةٍ   بتَيْهَاءَ لم تُصبِح رَءُوماً سَلُوبُهَا
والأرباض: الحبال. والبَكْرة: الناقة الفتِيّة. وثِنْيُها: بطنها الثاني وإنما لم تعطف على ولدها لما لحقها من التعب.القول في ٱختلاف العلماء في كيفيّة إنجاء بني إسرائيل فذكر الطبري أن موسى عليه السلام أُوحِيَ إليه أن يسري من مصر ببني إسرائيل فأمرهم موسى أن يستعيروا الحليّ والمتاع من القبط، وأحلّ الله ذلك لبني إسرائيل فسرى بهم موسى من أول الليل فأعلم فرعون فقال: لا يتبعهم أحد حتى تصيح الدِّيكَة، فلم يصِح تلك الليلة بمصر ديك وأمات الله تلك الليلة كثيراً من أبناء القبط فاشتغلوا في الدفن وخرجوا في الأتباع مشرقين كما قال تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5