الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ }

القراءة: في الشواذ قرأ الزهري وإذا فرقنا بكم مشددة قال ابن جني فرقنا أشد تفريقاً من فرّقنا فمعنى فرّقنا بكم البحر جعلناه فرقاً ومعنى فرقنا بكم البحر شققنا بكم البحر. اللغة: الفرق هو الفصل بين شيئين إذا كانت بينهما فرجة والفِرق الطائفة من كل شيء ومن الماء إذا انفرق بعضه عن بعض فكل طائفة من ذلك فرق ومنهكل فرق كالطود العظيم } [الشعراء: 63] والفَرَق الخوف وفي الحديث: " ما أسكر الفرق فالجرعة منه حرام " وهو مكيال يعرف بالمدينة. والبحر يسمى بحراً لاستبحاره وهو سعته وانبساطه يقال استبحر في العلم وتبحر فيه وتبقر إذا اتسع وتمكن والباحر الأحمق الذي إذا كلم بقي كالمبهوت والعرب تسمي الماء الملح والعذب بحراً إذا كثر ومنه قولـه:مرج البحرين يلتقيان } [الرحمن: 19] يعني الملح والعذب وأصل الباب الاتساع وأما اللُجُّ فهو الذي لا يرى حافتيه مَنْ في وسطه لكثرة مائه وعظمه ودِجْلة بالإضافة إلى الساقية بحر وبالإضافة إلى جُدّة ونحوها ليست ببحر. والغرق الرسوب في الماء والنجاة ضد الغرق كما أنها ضد الهلاك وأغرق في الأمر إذا جاوز الحد فيه وأصله من نزع السهم حتى يخرج عن كبد القوس واغرورقت عينه شرقت بدمعها والنظر النظر بالعين يقال نظرت إلى كذا ونظرت في الكتاب وفي الأمر وقول القائل أنْظُر إلى الله ثم إليك معناه أتوقع فضل الله ثم فضلَك ونظرته وانتظرته بمعنى واحد والنظر التفكر وأصل الباب كله الإقبال نحو الشيء بوجه من الوجوه فالنظر بالعين الإقبال نحو المبصر والنظر بالقلب الإقبال بالفكر به نحو المفكر به نحو المفكر فيه والنظر بالرحمة هو الإقبال بالرحمة وحقيقة النظر هو تقليب الحدقة الصحيحة نحو المرئي طلباً لرؤيته. المعنى: ثم ذكر سبحانه نعمة أخرى فقال واذكروا { إذ فرقنا بكم البحر } أي فرقنا بين الماءين حتى مررتم فيه فكنتم فرقاً بينهما تمرون في طريق يبس وقيل معناه فرقنا البحر بدخولكم إياه فوقع بين كل فريقين من البحر طائفة منكم يسلكون طريقاً يابساً فوقع الفرق بينكم وقيل فرقنا بكم أي بسببكم البحر لتمروا فيه { فأنجيناكم } يعني من البحر والغرق وقولـه: { وأغرقنا آل فرعون } ولم يذكر غرق فرعون لأنه قد ذكره في مواضع كقولـه:فأغرقناه ومن معه } [الإسراء: 103] فاختصر لدلالة الكلام عليه لأن الغرض مبني على إهلاك فرعون وقومه ونظيره قول القائل:
دخل جيش الأمير البادية   
ويكون الظاهر أن الأمير معهم ويجوز أن يريد بآل فرعون نفسه كقولـه مما ترك آل موسى وآل هارون يعني موسى وهارون. وقولـه: { وانتم تنظرون } معناه وأنتم تشاهدون أنهم يغرقون وهذا أبلغ في الشماتة وإظهار المعجزة وقيل معناه وأنتم بمنظر ومشهد منهم حتى لو نظرتم إليهم لأمكنكم ذلك لأنهم كانوا في شغل من أن يروهم كما يقال دور بني فلان تنظر إلى دور آل فلان أي هي بإزائها وبحيث لو كان مكانها ما ينظر لأمكنه أن ينظر إليه وهو قول الزجاج وقريب مما قاله الفراء والأول أصح لأنهم لم يكن لهم شغل شاغل عن الرؤية فإنهم كانوا قد جاوزوا البحر وتظاهرت أقوال المفسرين على أن أصحاب موسى ع رأوا انفراق البحر والتطام أمواجه بآل فرعون حتى غرقوا فلا وجه للعدول عن الظاهر.

السابقالتالي
2