الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

{ أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ } إنكار لإيمانهم بنزول العذاب بعد وقوعه حقيقة، داخل مع ما قبله من إنكار استعجالهم به بعد إتيانه حكما، تحت القول المأمور به. أي: أبعد ما وقع العذاب وحل بكم حقيقة، آمنتم به حين لا ينفعكم الإيمان؟ إنكاراً لتأخيره إلى هذا الحد، وإيذاناً باستتباعه للندم والحسرة، ليقلعوا عما هم عليه من العناد، ويتوجهوا نحو التدارك قبل فوت الفوات - أفاده أبو السعود.

وقوله تعالى: { الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } على إرادة القول. أي: قيل لهم إذا آمنوا بعد معاينة العذاب: (آلآنَ ءَامنَتْم به)؟ وذلك إنكاراً للتأخير، وتوبيخا عليه. وسر وضع { تَسْتَعْجِلُونَ } موضع (تكذبون) الذي يقتضيه الظاهر، الإشارة إلى أن المراد به الاستعجال السابق، وهو التكذيب والاستهزاء، استحضارا لمقالتهم، فهو أبلغ من (تكذبون).

وقيل: الاستعمال كناية عن التكذيب، وفائدة هذه الحال استحضارها. هذا ما ذكروه، ولا مانع من بقاء الاستعجال على حقيقته، يدل عليه آية:وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ... } [الأنفال: 32] الخ فهم مع تهكمهم رضوا بأن يعاينوا آية يعذبون بها، لما في قلوبهم من مرض العناد العضال، والجهل المصم المعمي، ولذلك أجيبوا بأن العذاب هل فيه ما يستعجل منه. أي: فمثل هذا الاستعجال لا يصدر ممن له مسكة من عقل، إذ لا يستعجل إلا ما يرجى خيره، ثم أعلمهم بعدم فائدة إيمانهم وقتئذ، وما يوبخون به، إنكاراً للتأخير - والله أعلم.