الرئيسية - التفاسير


* تفسير مقاتل بن سليمان/ مقاتل بن سليمان (ت 150 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } * { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَىٰ } ، يعنى الميعاد { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } ، يعنى ثلاثين من ذى القعدة وعشر ليال من ذى الحجة، فكان الميعاد الجبل؛ ليعطى التوراة، وكان موسى، عليه السلام، أخبر بنى إسرائيل بمصر، فقال لهم: إذا خرجنا منها أتيناكم من الله عز وجل بكتاب يبين لكم فيه ما تأتون وما تتقون، فلما فارقهم موسى مع السبعين، واستخلف هارون أخاه عليهم، اتخذوا العجل، فذلك قوله سبحانه: { ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ } ، يقول: من بعد انطلاق موسى إلى الجبل { وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ } [آية: 51]، وذلك أن موسى قطع البحر يوم العاشر من المحرم، فقال بنو إسرائيل: وعدتنا يا موسى أن تأتينا بكتاب من ربنا إلى شهر، فأتنا بما وعدتنا، فانطلق موسى وأخبرهم أنه يرجع إلى أربعين يوماً عن أمر ربه عز وجل، فلما سار موسى فدنا من الجبل، أمر السبعين أن يقيموا فى أصل الجبل، وصعد موسى الجبل، فكلم ربه تبارك اسمه، وأخذ الألواح فيها التوراة، فلما مضى عشرون يوماً، قالوا: أخلفنا موسى العهد، فعدوا عشرين يوماً وعشرين ليلة، فقالوا: هذا أربعون يوماً، فاتخذوا العجل، فأخبر الله عز وجل موسى بذلك على الجبل، فقال موسى لربه: من صنع لهم العجل؟ قال: السامرى صنعه لهم، قال موسى لربه: فمن نفخ فيه الروح؟ قال الرب عز وجل: أنا، فقال موسى: يا رب، السامرى صنع لهم العجل فأضلهم، وصنعت فيه الخوار، فأنت فتنت قومى، فمن ثم قال الله عز وجل:فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } [طه: 85]، يعنى الذين خلفهم مع هارون سوى السبعين حين أمرهم بعبادة العجل.

فلما نزل موسى من الجبل إلى السبعين، أخبرهم بما كان، ولم يخبرهم بأمر العجل، فقال السبعون لموسى: نحن أصحابك جئنا معك ولم نخالفك فى أمر، ولنا عليك حق، فأرنا الله جهرة، يعنى معاينة، كما رأيته، فقال موسى: والله ما رأيته، ولقد أردته على ذلك فأبى، وتجلى للجبل فجعله دكاً، يعنى فصار دكاً، وكان أشد منى وأقوى، فقالوا: إنا لا نؤمن بك ولا نقبل ما جئت به حتى تريناه معاينة، فلما قالوا ذلك أخذتهم الصاعقة، يعنى الموت عقوبة، فذلك قوله سبحانه:فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّاعِقَةُ } [البقرة: 55]، يعنى الموت، نظيرها:وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [الأعراف: 143]، يعنى ميتاً، وكقوله عز وجل:فَصَعِقَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ } [الزمر: 68]، يعنى فمات { وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } ، يعنى السبعين.

ثم أنعم الله عليهم فبعثهم، وذلك أنهم لما صعقوا قام موسى يبكى، وظن أنهم إنما صعقوا بخطيئة العجل، فقال عز وجل فى سورة الأعراف:رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } [الأعراف: 155]، وقال: يا رب، ما أقول لبنى إسرائيل إذا رجعت إليهم وقد أهلكت أحبارهم، فبعثهم الله عز وجل لما وجد موسى من أمرهم، فذلك قوله سبحانه: { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [آية: 52]، يقول: لكى تشكروا ربكم فى هذه النعمة، فبعثوا يوم ماتوا، ثم انصرفوا مع موسى راجعين، فلما دنوا من العسكر على ساحل البحر، سمعوا اللغط حول العجل، فقاموا: هذا قتال فى المحلة، فقال موسى، عليه السلام: ليس بقتال، ولكنه صوت الفتنة، فلما دخلوا المعسكر رأى موسى ماذا يصنعون حول العجل، فغضب وألقى الألواح، فانكسر منها لوحان، فارتفع من اللوح بعض كلام الله عز وجل، فأمر بالسامرى فأخرج من محلة بنى إسرائيل، ثم عمد إلى العجل فبرده بالمبرد وأحرقه بالنار، ثم ذراه فى البحر، فذلك قوله:

السابقالتالي
2