الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير صدر المتألهين/ صدر المتألهين الشيرازي (ت 1059 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ }

الوَعْد، والموعِد، والوعيد والعِدة، والموعِدة مصادر. والفعل يتعدّى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما. والمفعول الثاني فيه إمّا { أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } أو المقدّر، وهو أن يعطيه الله التوراة ونحو ذلك، لأنّه لمّا دخل بنو إسرائيل مصر بعد هلاك فرعون، ولم يكن لهم كتاب ينتهون إليه، وعَد الله موسى أن ينزّل عليهم التوراة.

و { وَعَدْنَا } قراءة أهل البصرة وأبي جعفر، وقرأ الباقون { وَاعَدْنَا } - بالألف - وكذا في الأعراف، وطه.

أما حجَّة مَن قرأ بغير الألف فواضحٌ، لأنّ الوعد كان من الله، والمواعَدة لا تكون إلاّ من الجانبين. وأمّا حجة الباقين فوجوه:

أحدها: إنّ الوعْد وإن كان مِن الله، فقبوله كان من موسى (عليه السلام)، وقبول الوعد يشبه فعل الوعْد. وهذا كما يطلق أهل الميزان النقيض لكلّ واحدة من القضيتين اللتين أحدهما سلب للأخرى، مع أن نقيض الشيء رفعه، فيكون السالبة نقيضاً للموجبة - دون العكس - إلاّ أنّه أطلق عليهما المتناقضتان باعتبار أنّ أحدهما رفع، والأخرى مرتفعة به، ففيها أيضاً معنى الرفع في الجملة، وبهذا القدر صحّ إطلاق المتناقضتين عليهما، وإن لم يصح إطلاق النقيضين على كلّ منهما بانفراده، وكذا الحكْم في الزوجين والمتمّمين، حيث إنّ لكل منهما مدخلاً في الزوجيّة والتتميم.

وثانيها: إنّه لا يبعد أن يكون الآدمي يَعِدُ الله تعالى، بمعنى أنَّه يعاهد الله.

وثالثها: إنَّ الله تعالى وعدَه الوحي، وهو وَعَد الله المجيء للميقات إلى الطور وهذا أقوى. والقراءتان جميعاً قويتان.

و { مُوسَىٰ } اسمٌ مركّب من اسمين بلغة القبط، فـ " مُو " هو الماء. و " سى " الشجر. سمّي بذلك لأنّ التابوت الذي كان جعلت أمّ موسى إيّاه فيه - حين خافت من فرعون، وألقته في البحر، فدفعته الأمواج بين أشجار عند بيت فرعون - وجدته جواري آسية امرأة فرعون عند الماء والشجَر، وقد خرجْن ليغتسلنَ بذلك المكان، فسمّي (عليه السلام) باسم المكان الذي وجد فيه، وهو الماء والشجر.

وهذا أصح الأقوال. وفيه وجهان آخران مقدوحان:

أحدهما: إنَّ وزنه " فُعلى " ، والميم فيه أصلية من " مَاسَ، يَميس، موساً " إذا تبختَر في مشيِه. وكان (عليه السلام) كذلك.

وثانيهما: إنَّ وزنه مُفعَل، من " أوسيت الشجرة " إذا أخذت ما عليها من الورَق. فكأنّه سمي بذلك لصلْعه.

ووجه انقداحهما أنّ بني إسرائيل والقبط ما كانوا يتكلّمون بلغة العرب، وأيضاً إنّ هذا الاسم عَلَمٌ، والعلَم لا يفيد معنى غير الذات الشخصيّة.

وهو (عليه السلام) موسى بن عمران بن يصهر بن فاهث بن لاوي ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - صلوات الله على نبيّنا وعليهم أجمعين -.

وانتصاب { أَرْبَعِينَ } إمّا بالظرفية، أو على أنّه مفعول ثان.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8