الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ }

قوله: { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ }: في " أم " أقوالٌ، أحدها: أنها منقطعةٌ، فتتقدَّرُ بـ بل التي لإِضرابِ الانتقال، وبالهمزة التي للإِنكار. والثاني: أنها بمعنى بل فقط، كقوله:
4001 ـ بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشَّمْسِ في رَوْنَق الضُّحى   وصورتِها أم أنتِ في العينِ أَمْلَحُ
أي: بل أنتِ. الثالث: أنها منقطعةٌ لفظاً، متصلةٌ معنىً. قال أبو البقاء: " أمْ هنا منقطعةٌ في اللفظ لوقوع الجملةِ بعدَها في اللفظ، وهي في المعنى متصلةٌ معادِلةٌ؛ إذ المعنى: أنا خيرٌ منه أم لا، وأيُّنا خيرٌ " وهذه عبارةٌ غريبةٌ: أن تكونَ منقطعةً لفظاً، متصلةً معنى، وذلك أنهما معنيان مختلفان؛ فإن الانقطاعَ يَقْتضي إضراباً: إمَّا إبطالاً، وإمّا انتقالاً. الرابع: أنها متصلةٌ، والمعادِلُ محذوفٌ تقديره: أم تُبْصِرون. وهذا لا يجوزُ إلاَّ إذا كانت " لا " بعد أم نحو: أتقومُ أم لا؟ أي: أم لا تقوم. وأزيدٌ عندك أم لا؟ أي: أم لا هو عندك. أمَّا حَذْفُه دون " لا " فلا يجوزُ، وقد جاء حَذْفُ " أم " مع المعادِلِ وهو قليلٌ جداً. قال الشاعر:
4002 ـ دعاني إليها القلبُ إني لأَمْرِها   سميعٌ فلا أَدْري أَرُشْدٌ طِلابُها
أي: أم غَيٌّ. وكان الشيخ قد نقل عن سيبويه أنَّ هذه هي " أم " المعادِلَةُ أي: أم تُبْصِرُون الأمرَ الذي هو حقيقٌ أَنْ يُبْصَرَ عنده، وهو أنَّه خيرٌ مِنْ موسى. قال: " وهذا القولُ بدأ به الزمخشريُّ فقال: " أم/ هذه متصلة لأنَّ المعنى: أفلا تُبْصِرون أم تُبْصرون، إلاَّ أنه وَضَعَ قولَه: " أنا خيرٌ " موضعَ " تُبْصِرون "؛ لأنهم إذا قالوا: أنت خيرٌ، فهم عنده بُصَراءُ، وهذا من إنزالَ السببِ منزلةَ المسبب ". قال الشيخ: " وهذا متكلَّفٌ جداً؛ إذ المعادِلُ إنما يكونُ مقابلاً للسابقِ. فإن كان المعادِلُ جملةً فعليةً كان السابقُ جملةً فعليةً أو جملةً اسميةً يتقدَّر منها فعليةٌ، كقوله:أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } [الأعراف: 193] لأنَّ معناه: أم صَمَتُّم، وهنا لا تتقدَّرُ منها جملةٌ فعليةٌ؛ لأنَّ قولَه: { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ } ليس مقابلاً لقولِه: " أفلا تُبْصِرون ". وإن كان السابقُ اسماً كان المعادِلُ اسماً، أو جملةً فعليةً يتقدَّر منها اسمٌ نحو قولِه:
4003 ـ أمُخْدَجُ اليدَيْنِ أم أَتَمَّتِ   
فـ " أتمَّت " معادِلٌ للاسم، فالتقديرُ: أم مُتِمًّا " قلت: وهذا الذي رَدَّه على الزمخشريِّ رَدٌّ على سيبويه؛ لأنه هو السابقُ به، وكذا قولُه أيضاً: إنه لا يُحْذَفُ المعادِلُ بعد " أم " إلاَّ وبعدها " لا " فيه نظرٌ؛ من حيث تجويزُ سيبويه حَذْفُ المعادِلِ دون " لا " فهو رَدٌّ على سيبويهِ أيضاً.

[قوله: { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } هذه الجملةُ يجوزُ أَنْ تكونَ معطوفةً على الصلةِ، وأَنْ تكونَ مستأنفةً، وأن تكونَ حالاً]. والعامَّة على " يُبين " مِنْ أبان، والباقر " يَبين " بفتحِها مِنْ بان أي: ظهر.