الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله: { بِٱلْغَدَاةِ }: قرأ الجمهور: " بالغداة " هنا وفي الكهف وابن عامر: { بالغُدْوة } بضم الغين وسكون الدال وفتح الواو في الموضعين، وهي قراءة أبي عبد الرحمن السلمي والحسن البصري ومالك بن دينار وأبو رجاء العطاردي ونصر بن عاصم الليثي. والأشهر في " الغُدْوة " أنها معرفة بالعلمية، وهي علميَّة الجنس كأسامة في الأشخاص ولذلك مُنِعت من الصرف قال الفراء: " سمعت أبا الجراح يقول: ما رأيت كغدوة قط، يريد: غداة يومه " قال: " ألا ترى أن العرب لا تضيفها، فكذا لا يدخلها الألف واللام، إنما يقولون: جئتك غداة الخميس " وقال الفراء في كتاب " المعاني " في سورة الكهف: " قرأ عبد الرحمن السلمي: { بالغُدْوَة والعَشِي } ولا أعلم أحداً قرأ بها غيره، والعرب لا تُدْخل الألف واللام في " الغدوة " لأنها معرفة بغير ألف ولام " فذكره إلى آخره.

وقد طعن أبو عبيد القاسم بن سلام على هذه القراءة فقال: " إنما نرى ابن عامر والسلمي قرآ تلك القراءة إتباعاً للخط، وليس في إثبات الواو في الكتاب دليل على القراءة بها، لأنهم كتبوا الصلاة والزكاة بالواو ولفظُهما على تَرْكها، وكذلك الغداة، على هذا وجدنا العرب ". وقال الفارسيُّ: " الوجه قراءة العامة بالغداة، لأنها تستعمل نكرة ومعرفة بالام، فأمَّا " غُدْوَة " فمعرفة وهو عَلَمٌ وُضِع للتعريف، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن تدخل عليه الألف واللام للتعريف، كما لا تَدْخُل على سائر الأعلام، وإن كانت قد كُتِبَتْ بالواو لأنها لا تدلُّ على ذلك. ألا ترى الصلاة والزكاة بالواو ولا تُقرآن بها، فكذلك الغداة. قال سيبويه: " غُدْوة وبُكْرة جُعِل كلُّ واحد منهما اسماً للحين، كما جعلوا " أم حُبَيْن " اسماً لدابَّةٍ معروفة ". إلا أنَّ هذا الطعنَ لا يُلتفت إليه، وكيف يُظَنُّ بمَنْ تَقَدَّم أنهم يَلْحنون، والحسن البصري ممن يُسْتَشْهد بكلامِه فضلاً عن قراءته، نصر بن عاصم شيخ النحاة أخذ هذا العلمَ عن أبي الأسود ينبوعِ الصناعة، وابن عامر لا يَعْرف اللحن لأنه عربي، وقرأ على عثمان بن عفان وغيره من الصحابة، ولكن أبا عبيد - رحمه الله - لم يعرف أن تنكير " غدوة " لغةُ ثانية عن العرب حكاها سيبويه والخليل.

قال سيبويه: " زعم الخيل أنه يجوز أن تقول: " أَتيتُكَ اليوم غُدْوةً وبُكْرة " فجعلها مثل ضَحْوة، قال المهدوي: " حكى سيبويه والخليل أنَّ بعضَهم يُنَكِّر فيقول " غُدْوةً " بالتنوين، وبذلك قرأه ابن عامر، كأنه جعله نكرة، فأدخل عليها الألف واللام " وقال أبو علي الفارسي: " وجه دخول الألف واللام عليها أنه يجوز وإن كانت معرفةً أن تُنَكِّر، كما حكى أبو زيد " لقيته فَيْنَةَ " غير مصروفة " والفَيْنَةَ بعد الفينة " أي: الحين بعد الحين، فألحق لام التعريف ما استعمل معرفة، ووجه ذلك أنه يُقَدَّر فيه التنكير والشيوع كما يُقَدَّر فيه ذلك إذا بني ".

السابقالتالي
2 3 4 5