الرئيسية - التفاسير


* تفسير التحرير والتنوير/ ابن عاشور (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

عطف على قولهوأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربّهم } الأنعام 51 لأنّه في معنى أنذرهم ولازمهم وإن كره ذلك متكبّرو المشركين. فقد أجريت عليهم هنا صلة أخرى هي أنسب بهذا الحكم من الصلة التي قبلها، كما أنّ تلك أنسبُ بالحكم الذي اقترنت معه منها بهذا، فلذلك لم يُسلك طريق الإضمار، فيقال ولا تَطْردْهُم، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاء داعياً إلى الله فأولى الناس بملازمته الذين هجيّراهم دعاء الله تعالى بإخلاص فكيف يطردهم فإنّهم أولى بذلك المجلس، كما قال تعالىإنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين اتَّبعوه } آل عمران 68. روى مسلم عن سعد بن أبي وقَّاص قال كنَّا مع النَّبيء ستة نفر، فقال المشركون للنبيء أطرد هؤلاء لا يَجْتَرئُون علينا. قال وكنت أنا، وابن مسعود، ورجل من هُذيل، وبلال، ورجلان، لست أسمِّيهما، فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدّث نفسه فأنزل الله تعالى { ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه } اهــ. وسمّى الواحدي بقيّة الستَّة وهم صهيب، وعمّار بن ياسر، والمقدادُ بن الأسود، وخبّاب بن الأرتّ. وفي قول ابن مسعود «فوقع في نفس رسول الله ما شاء الله» إجمال بيِّنه ما رواه البيهقي أنّ رؤساء قريش قالوا لرسول الله لو طردت هؤلاء الأعْبُدَ وأرواحَ جِبَابِهم جمع جُبّة جَلَسْنا إليك وحادثناك. فقال ما أنا بطارد المؤمنين. فقالوا فأقمهم عنّا إذا جئنا فإذا قمنا فأقعدهم معك إن شئت، فقال نعم، طَعماً في إيمانهم. فأنزل الله هذه الآية. ووقع في «سنن» ابن ماجة عن خبَّاب أنّ قائل ذلك للنبيء صلى الله عليه وسلم الأقْرعُ بن حابس وعُبَيْنَةُ بن حِصْن، وأنّ ذلك سبب نزول الآية، وقال ابن عطية هو بعيد لأنّ الآية مكية. وعيينة والأقرع إنَّما وفَدا مع وفد بني تميم بالمدينة سنة الوفود. اهــ. قلت ولعلّ ذلك وقع منهما فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية التي نزلت في نظير اقتراحهما. وفي سنده أسباط بن نصر أو نضر، ولم يكن بالقوي، وفيه السديّ ضعيف. وروي مثله في بعض التفاسير عن سلمان الفارسي، ولا يعرف سنده. وسمّى ابنُ إسحاق أنَّهم المستضعفون من المؤمنين وهم خبَّاب، وعمَّار، وأبُو فُكيهة، يسار مَولى صفوان بن أمية بن مُحرّث، وصهيب وأشباههم، وأنّ قريشاً قالواأهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا } الأنعام 53. وذكر الواحدي في «أسباب النزول» أنّ هذه الآية نزلت في حياة أبي طالب. فعن عكرمة قال جاء عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، ومُطعِم بن عدي، والحارثُ بن نوفل، في أشراف بني عبد مناف إلى أبي طالب فقالوا لو أنّ ابن أخيك محمداً يَطرد عنه موالينا وعبيدنا وعتقاءنا كان أعظم من صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتِّبَاعِنا إيَّاه وتصديقنا له.

السابقالتالي
2 3 4 5 6