الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ }

قوله تعالى: { أَحَقٌّ هُوَ }: يجوز أن يكونَ " حَقٌّ " مبتدأ و " هو " مرفوعاً بالفاعلية سدَّ مَسَدَّ الخبر، و " حق " وإن كان في الأصلِ مصدراً ليس بمعنى اسم فاعل ولا مفعول، لكنه في قوةِ " ثابت " فلذلك رَفَعَ الظاهرَ. ويجوز أن يكون " حَقٌّ " خبراً مقدماً و " هو " مبتدأً مؤخراً.

واختلف في " يَسْتَنْبِئُونك " هذه هل هي متعديةٌ إلى واحد أو إلى اثنين أو إلى ثلاثة؟ فقال الزمخشري: " ويَسْتَنْبِئونك فيقول: أحقٌّ هو " فظاهرُ هذه العبارةِ أنها متعديةٌ لواحد، وأن الجملةَ الاستفهاميةَ في محلِّ نصبٍ بذلك القولِ المضمرِ المعطوفِ على " يَسْتَنْبِئُونك " وكذا فَهِم عنه الشيخ أعني تعدِّيَها لواحدٍ. وقال مكي: " أحقٌّ هو ابتداءٌ وخبرٌ في موضعِ المفعولِ الثاني إذا جَعَلْتَ " يستنبؤنك " بمعنى يَسْتَخْبِرونك، فإذا جَعَلْتَ " يستنبئونك " بمعنى يَسْتَعْلِمونك كان " أحقٌّ هو " ابتداءً وخبراً في موضع المفعولَيْن لأنَّ " أَنْبأ " إذا كان بمعنى أَعْلَم كان متعدياً إلى ثلاثةِ مفعولِيْن يجوزُ الاكتفاءُ بواحدٍ، ولا يجوزُ الاكتفاء باثنين دون الثالث، وإذا كانت " أنبأ " بمعنى أَخْبر تَعَدَّتْ إلى مفعولَيْن، لا يجوز الاكتفاءُ بواحد دون الثاني: وأنبأ ونبَّأ في التعدِّي سواءٌ ". وقال ابنُ عطية: " معناه يَسْتَخْبرونك، وهو على هذا يتعدَّى إلى مفعولين أحدهما الكافُ، والآخرُ في الابتداء والخبر " فعلى ما قال تكون " يَسْتنبئونك " معلقة بالاستفهام، وأصل استنبأ أن يتعدَّى إلى مفعولين أحدهما بـ " عن " ، تقول: اسْتَنْبأت زيداً عن عمرو أي: طلبت منه أن يُنْبِئَني عن عمرو. ثم قال: " والظاهر أنها تحتاج إلى مفعولِين ثلاثةٍ أحدُهما الكافُ، والابتداءُ والخبرُ سَدَّ مَسَدَّ المفعولَيْن ". قال الشيخ: " وليس كما ذكر لأن " استعلم " لا يُحْفظ كونُها متعديةً إلى مفاعيلَ ثلاثةٍ، لا يُحْفظ " استعملت زيداً عمراً قائماً " فتكونُ جملةُ الاستفهامِ سَدَّتْ مَسدَّ المفعولين، ولا يَلْزَمُ مِنْ كونها بمعنى " يَسْتعلمونك " أن تتعدَّى إلى ثلاثة؛ لأنَّ " استعلم " لا يتعدَّى إلى ثلاثةٍ كما ذكرنا ".

قلت: قد سَبَقَ أبا محمد إلى هذا مكي بن أبي طالب كما قدَّمْتُ حكايته عنه، والظاهرُ جوازُ ذلك، ويكون التعدي إلى ثالث قد حَصَلَ بالسين، لأنهم نَصُّوا على أن السين تُعَدّي، فيكونُ الأصلُ: " علم زيدٌ عمراً قائماً " ثم تقول: " استعلمْتُ زيداً عمراً قائماً " ، إلا أنَّ النحويين نَصُّوا على أنه لا يتعدَّى إلى ثلاثةٍ إلا " عَلِم " و " رَأَىٰ " المنقولَيْن بخصوصيةِ همزةِ التعدِّي إلى ثالثٍ، وأنبأ ونَبَّأ وأخبر وخبَّر وحدَّث.

السابقالتالي
2