الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }

{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قال الزمخشريّ: قرئ بالنصب عطفاً على (أَنْ يَأْتِيِ)، وبالرفع على أنه كلام مبتدأ. أي: ويقول الذين آمنوا في ذلك الوقت. وقرئ (يقول) بغير (واو) وهي مصاحف مكة والمدينة والشام كذلك. على أن جواب قائل يقول، فماذا يقول المؤمنون حينئذٍ؟ فقيل: يقولون الذين آمنوا: أهؤلاء الذين أقسموا؟ (فإن قلت): لمن يقولون هذا القول؟ (قلت): إمّا أن يقوله بعضهم لبعض تعجّباً من حالهم، واغتباطاً بما منّ الله عليهم من التوفيق في الإخلاص { أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي: حلفوا لكم بأغلاظ الأيمان { إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } أي: إنهم أولياؤكم ومعاضدوكم على الكفار. وإمّا أن يقولوه لليهود، لأنهم حلفوا لهم بالمعاضدة والنصرة. كما حكى الله عنهم:وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } [الحشر: 11]. أي: فقد تباعدوا عنكم. فيظهر أنهم لم يكونوا مع المؤمنين ولا مع اليهود { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ } أي: في الدنيا، إذْ ظهر نفاقهم عند الكل. وفي الآخرة، إذْ لم يبقَ لهم ثواب.

قال الزمخشريّ: هذه الجملة من قول المؤمنين. أي: بطلت أعمالهم التي كانوا يتكلفونها في رأي أَعْيَن الناس، وفيه معنى التعجب، كأنه قيل: ما أحبط أعمالهم فما أخسرهم! أو من قول الله عز وجلّ، شهادة لهم بحبوط الأعمال، وتعجيباً من سوء حالهم.. انتهى.

وفيه من الاستهزاء بالمنافقين والتقريع للمخاطبين، ما لا يخفى.

تنبيهات

الأول: في سبب نزول هذه الآيات الكريمات.

روي عن السدّي، أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أُحُدٍ: أمَّا أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهوديّ فأواليه وأتهوّد معه، لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث. وقال الآخر: وأما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصرانيّ بالشام فأواليه وأتنصّر معه. فأنزل الله تعالى:يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ... } [المائدة: 51] الآيات.

وقال عكرمة: نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة. فسألوه: ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه، أي: إنه الذبح. رواه ابن جرير. وقيل: نزلت في عبد الله بن أبيّ بن سلول.

روى ابن جرير عن عطية بن سعد قال: " جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنّ لي موالي من يهود كثير عددهم. وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود، وأتولّى الله ورسوله. فقال عبد الله بن أُبيّ: إني رجل أخاف الدوائر. لا أبرأ من ولاية موالِيَّ. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدِ الله بن أُبيّ: " يا أبا الحباب! ما بخلتَ به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو إليك دونه ". قال: قد قبلت، فأنزل الله عز وجلّ: { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُو... } [المائدة: 51] "

السابقالتالي
2 3 4