الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } * { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } * { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { كَذَلِكَ مَآ أَتَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { أَتَوَاصَوْاْ بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ } * { وَذَكِّرْ فَإِنَّ ٱلذِّكْرَىٰ تَنفَعُ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ }.

أي: خلقناها بقوة، { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } أي: لقادرون.

وجائز أن يكون الموسع: الواجد؛ كقوله تعالى -:عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ } [البقرة: 236]، أي: على الواجد الموسر قدره.

وقال بعضهم: { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } في التدبير، تدبير جميع الخلق عليهم أرزاقهم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ }.

أي: بسطناها ومهدناها { فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } لكم الأرض؛ حيث مهدها لكم مبسوطة مفترشة تجدونها كذلك ما كانوا وأينما كانوا، من غير تكلف، ويستعملونها كيف شاءوا في أي منفعة شاءوا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ }.

قال بعضهم: صنفين من الحيوان؛ فإنه خلقهم ذكراً وأنثى.

وقال بعضهم: { زَوْجَيْنِ } ، أي: لونين، نحو أبيض وأسود، وأحمر وأصفر.

والأول قول الزجاج، والثاني قول القتبي.

وأصله: أنه يخرج على وجهين:

أحدهما: { زَوْجَيْنِ } ، أي: شكلين، فيعلمون ببعضه بعضاً، أو ضدين فيناقض بعضه بعضا، والله - سبحانه وتعالى - ليس بذي شكل، ولا ذي ضد؛ فيدل ما أنشأ من الأضداد والأشكال على وحدانيته وألوهيته.

والثاني: خلق الأشياء مختلفين متضادين؛ ليدل على إيجاب المحن عليهم من نحو عسر ويسر، وغناء وحاجة، وخير وشر؛ ليمتحنهم على اختلاف الأحوال وتضادها؛ فيرغبهم في كل مرغوب، ويحذرهم عن كل مرهوب، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }.

أي: تذكرون آيات وحدانيته وألوهيته.

أو تذكرون - باختلاف الامتحان - البعث، والثواب، والعقاب، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } ، يحتمل وجوها:

قال بعضهم: ففروا إلى توحيد الله من الشرك به؛ دليله قوله على إثره: { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ } وهو [قول] أبي بكر الأصم.

ويحتمل { فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ } أي: ففروا إلى ما دعاكم الله تعالى إليه عما نهاكم عنه؛ كقوله سبحانه:وَٱللَّهُ يَدْعُوۤاْ إِلَىٰ دَارِ ٱلسَّلاَمِ } [يونس: 25]، أي: ففروا إلى الأعمال الصالحة من الأعمال القبيحة.

ويحتمل: ففروا إلى ما وعد لكم من الثواب عما أوعد لكم من العقاب؛ أي: فروا إلى ثواب الله عن نقمته وعقابه.

ويحتمل: ففروا إليه في جميع حوائجكم، ولا تطلبوا شيئاً من ذلك من غيره؛ فإنه هو القادر عليها حقيقة؛ فيكون في الآية ترغيب في الرجوع إليه في الحوائج، وقطع الطمع عن غيره، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِنِّي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } يحتمل وجوها: يحتمل: إني نذير لمن عبد دونه، أو سمى دونه إلها، { مُّبِينٌ } آيات ألوهيته ووحدانيته.

ويحتمل: إني لكم منه نذير مبين؛ لما يقع لكم به النذارة والبشارة.

وقال أبو بكر الأصم: إني لكم منه نذير مبين بما نزل بمكذبي الرسل بتكذيبهم.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ }.

السابقالتالي
2 3