الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

بين الله تعالى في الآيتين اللتين قبل هذه الآية وبعد آيات الجزاء والمعاد سبب هلاك الكافرين وخسران أنفسهم بالشرك في ألوهيته، وعبادة من اتخذوهم شفعاء عنده بغير إذنه، وعدم اتباع الرسل الذين دعوهم إلى عبادته وحده بما شرعه لهم، دون ما ابتدعوه أو ابتدعه لهم من قبلهم، ثم قفى على ذلك بخمس آيات جامعة لجملة ما جاءت به الرسل من الدين بإيجاز بليغ، ابتدأها بآية الخلق والتكوين، الهادية إلى حقيقة الربوبية والألوهية برهاناً على أصل الدين، فقال عز وجل:

{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } الرب هو السيد والمالك والمدبر والمربي، والإله هو المعبود أي الذي يتوجه إليه الإنسان عند الشعور بالحاجة إلى ما يعجز عنه بكسبه ومساعدة الأسباب له، فيدعوه لكشف الضر أو جلب النفع، ويتقرب إليه بالأقوال والأعمال التي يرجى أن ترضيه وبالنذر له والذبح باسمه أو لأجله، سواء كان الرجاء فيه خاصاً به أو مشتركاً بينه وبين معبود آخر هو فوقه أو دونه. وأما اسم الجلالة الأعظم (الله) فهو اسم لرب العالمين خالق الخلق أجمعين، الذي ينفي الموحدون الحنفاء ربوبية غيره وألوهية سواه، ويقول بعض المشركين إنه أكبر الأرباب أو رئيسهم وأعظم الآلهة أو مرجعهم الذي يشفعون عنده، وكان مشركو العرب وأمثالهم ينفون وجود رب سواه وإنما يعبدون آلهة تقربهم إليه.

والسماوات والأرض يطلقان في مثل هذا المقام على كل موجود مخلوق أو ما يعبر عنه بعض الناس بالعالم العلوي والعالم السفلي - وإن كان العلو والسفل فيهما من الأمور الإضافية - وقد أجمعت الأمم على أن خالق جملة العالم واحد هو رب العالمين، والذين اتخذوا من دون الله أرباباً كانوا يقيدون ربوبيتهم بأمور معينة وكل إليهم تدبيرها ويسمونهم بأسماء تدل على ذلك كما تقدم بيانه في تفسير قصة إبراهيم عليه السلام من سورة الأنعام (568 ج7) ويخصون خالق كل شيء باسم كاسم الجلالة (الله) في العربية إلا الثنوية الذين قالوا بربين مستقلين أحدهما خالق النور وفاعل الخير، والثاني خالق الظلمة ومصدر الشر.

فالله تعالى يقول في هذه الآية للناس كافة إن ربكم واحد، وهو الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وهو المدبر لأمورهما وحده، فيجب أن تعبدوه وحده فلا يكون لكم إله غيره، وقد تطلق السماوات على ما دون العرش من العالم العلوي ولا سيما إذا وصفت بالسبع.

وأما هذه الأيام الستة فهي من أيام الله التي يتحدد اليوم منها بعمل من أعماله يكون فيه، فإن اليوم في اللغة هو الزمن الذي يمتاز بما يحصل فيه من غيره كامتياز أيامنا بما يحدها من النور والظلام، وأيام العرب بما كان يقع فيها من الحرب والخصام وأيام الله التي أمر موسى أن يذكر قومه بها هي أزمنة أنواع نعمه عليهم.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10