الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }

{ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } وبأحوالهم الظاهرة والباطنة فيختار منهم لنبوته وولايته من يشاء ممن تراه حكمته أهلاً لذلك وهو رد عليه إذ قالوا: بعيد أن يكون يتيم ابن أبـي طالب نبياً وأن يكون العراة الجوع كصهيب وبلال وخباب وغيرهم أصحابه دون أن يكون ذلك من الأكابر والصناديد. وذكر من في السمٰوات لإبطال قولهملَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلَٰـئِكَةُ } [الفرقان: 21] وذكر من في الأرض لرد قولهم:وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] فلا يدل تخصيصهما بالذكر وتعلقهما بأعلم على اختصاص أعلميته تعالى بما ذكر فما قاله أبو علي من أن الجار متعلق بعلم محذوفاً ولا يجوز تعلقه بأعلم لاقتضائه أنه سبحانه ليس بأعلم بغير ذلك ناشيء عن عدم العلم بما ذكرنا على أن أبا حيان أنكر تعدي علم بالباء وإنما يتعدى لواحد بنفسه في مثل هذا الموضع.

{ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ ٱلنَّبِيّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ } بالفضائل النفسانية والمزايا القدسية وإنزال الكتب السماوية لا بكثرة الأموال والأتباع { وَءاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } بيان لحيثية تفضيله عليه الصلاة والسلام وأنه بإيتائه الزبور لا بإيتائه الملك والسلطنة وفيه إيذان بتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم فإن كونه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء. وأمته خير الأمم مما تضمنه الزبور وقد أخبر سبحانه عن ذلك بقوله عز قائلاً:وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذّكْرِ أَنَّ ٱلأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ ٱلصَّـٰلِحُونَ } [الأنبياء: 105] يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وأمته ونص بعضهم أن هذا من باب التلميح نحو قصة المنصور وقد وعد الهذلي بعدة فنسيها فلما حجا وأتيا المدينة قال له يوماً وهو يسايره يا أمير المؤمنين هذا بيت عاتكة الذي يقول فيه الأحوص:
يا بيت عاتكة الذي أتغزل   
ففطن لمراده حيث قال ذلك ولم يسأله وعلم أنه يشير إلى قوله في هذه القصيدة:
وأراك تفعل ما تقول وبعضهم   مذق اللسان يقول ما لا يفعل
فأنجز عدته. والزبور في الأصل وصف للمفعول كالحلوب أو مصدر كالقبول. نعم هذا الوزن في المصادر قليل والأكثر ضم الفاء وبه قرأ حمزة وجعله بعضهم على هذه القراءة جمع زبر بكسر الزاي بمعنى مزبور ثم جعل علماً للكتاب المخصوص وليس فيه من الأحكام شيء. أخرج ابن أبـي حاتم عن الربيع بن أنس قال: الزبور ثناء على الله عز وجل ودعاء وتسبيح، وأخرج هو وابن جرير عن قتادة قال: كنا نحدث أن الزبور دعاء علمه داود عليه السلام وتحميد وتمجيد لله عز وجل ليس فيه حلال ولا حرام ولا فرائض ولا حدود. والذي تدل عليه بعض الآثار اشتماله على بعض النواهي والأوامر، فقد روى ابن أبـي شيبة أنه مكتوب فيه «إنى أنا الله لا إله إلا أنا ملك الملوك قلوب الملوك بيدي فأيما قوم كانوا على طاعة جعلت الملوك عليهم رحمة وأيما قوم كانوا على معصية جعلت الملوك عليهم نقمة فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ولا تتوبوا إليهم وتوبوا إلي أعطف قلوبهم عليكم».

السابقالتالي
2 3