الرئيسية - التفاسير


* تفسير محاسن التأويل / محمد جمال الدين القاسمي (ت 1332هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

{ وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }.

لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع يذكرهم أيضاً بما أسبغ عليهم من النعم، فمنها تظليل الغمام عليهم؛ وذلك أنهم كانت تظلهم سحابة إذا ارتحلوا، لئلا تؤذيهم حرارة الشمس. وقد ذكر تفصيل شأنها في توراتهم في الفصل التاسع من سفر العدد، ومنها إنزال المن.

وقد روي في التوراة أنهم لما ارتحلوا من إيليم وأتوا إلى برية سين، التي بين إيليم وسيناء، في منتصف الشهر الثاني بعد خروجهم من مصر، تذمروا على موسى وهارون في البرية، وقالوا لهما: ليتنا متنا في أرض مصر إذ كنا نأكل خبزاً ولحماً، فأخرجتمانا إلى هذه البرية لتُهْلِكا هذا الجمع بالجوع. فأوحى تعالى لموسى عليه السلام إني أمطر عليكم خبزاً من السماء، فليخرج الشعب، ويلتقطون حاجة اليوم بيومها طعامهم من أجل أني أمتحنهم، هل يمشون في شريعتي أم لا، وليكونوا في اليوم السادس أنهم يهيئون ضعف ما يلتقطونه يوماً فيوماً. لأن اليوم السابع يوم عيد لا يُشخص فيه لأمر المعيشة ولا لطلبة شيء. فقال لهم موسى: إن الرب تعالى يعطيكم عند المساء لحماً تأكلون، وبالغداة تشبعون خبزاً. فكان في المساء أن السلوى صعدت وغطت المحلة، وبالغداة أيضاً وقع الندى حول المحلة. ولما غطى وجه الأرض تباين في البرية شيء رقيق كأنه مدقوق بالمدقة، يشبه الجليد على الأرض. فلما نظر إليه بنو إسرائيل قالوا: ما هذا؟ لأنهم لم يعرفوه. فقال لهم موسى: هذا هو الخبز الذي أعطاكم الرب لتأكلوا. وقد أمركم أن يلقط كل واحد على قدر ما في بيته، وقدر مأكله. ففعل بنو إسرائيل كذلك ولقطوا ما بين مكثِّر ومقلِّل، وقال لهم موسى: لا تُبْقُوا منه شيئاً إلى الغد. فلم يطيعوا موسى، واستفضل منه رجال إلى الغد؛ فضرب فيه الدود ونتن. فغضب عليهم موسى، وكانوا يلقطون غدوة؛ كل إنسان يلقط على قدر ما يأكل، فإذا أصابه حر الشمس ذاب. وقد أُعطوا في اليوم السادس خبز يومين ليجلس كل رجل منهم في مكانه في اليوم السابع، راحةً وتقديساً له. وكان إذا خرج بعض الشعب ليلقط، يوم السابع، لا يجد في الأرض منه شيئاً. ودعا آل إسرائيل اسمه المنّ. وكان مثل حب الكُزْبُرَة أبيض، وطعمه كرقاق بعسل، وأكل بنو إسرائيل المن أربعين سنة حتى أتو إلى الأرض العامرة ودنوا من تخوم أرض كنعان.

وروي في ترجمة التوراة أيضاً أن المن كان يشبه لون اللؤلؤ، وكان يطوف الشعب ويلتقطونه ويطحنونه بالرحى. ويدقونه في الهاون ويطبخونه في القدور، ويعملون منه رغفاً طعمها كالخبز المعجون بالدهن.

السابقالتالي
2