قوله تعالى: { لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ }: الآية، فالذين وصلته هو المفعولُ الأول لقولِه: { ولا تتَّخِذوا } والمفعول الثاني هو قوله: " أولياء " و " دينَكم " مفعولٌ أولُ لـ " اتخذوا " و " هُزُوا " مفعول ثان، وتقدَّم ما في " هُزْءاً " من القراءات والاشتقاق. وقوله: { مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ } فيه وجهان، أحدُهما: أنه في محل نصب على الحال، وصاحبها فيه وجهان أحدُهما: أنه الموصولُ / الأول. والثاني: أنه فاعل " اتَّخذوا " الثاني من الوجهين الأولين أنه بيان للموصول الأول، فتكونُ " مِنْ " لبيانِ الجنس، وقوله: { مِن قَبْلِكُمْ } متعلق " بـ " أوتوا "؛ لأنهم أُوتوا الكتابَ قبل المؤمنين، والمرادُ بالكتابِ الجنسُ. قوله: { وَٱلْكُفَّارَ } قرأ أبو عمرو والكسائي: " والكفارِ " بالخفض، والباقون بالنصب، وهما واضحتان، فقراءةُ الخفض عَطْفٌ على الموصول المجرور بـ " من " ومعناها أنه نهاهم أن تيخذوا المستهزئين أولياءَ، وبيَّن أن المستهزئين صنفان: أهلُ كتاب متقدم وهم اليهود والنصارى، وكفارٌ عبدةُ أوثان، وإن كانَ اسمُ الكفر ينطلق على الفريقين، إلا أنه غَلَب على عبدة الأوثان: الكفار، وعلى اليهود والنصارى: أهل الكتاب. قال الواحدي: " وحجةُ هذه القراءة من التنزيلِ قولُه تعالى:{ مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ وَلاَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [البقرة: 105] اتفقوا على جَرِّ " المشركين " عطفاً على أهل الكتاب، ولم يُعْطَفْ على العامل الرافعِ " يعني بذلك أنه قد أَطْلَق الكفار على أهل الكتاب وعلى عبدة الأوثان: المشركين، ويدل على أنَّ المرادَ بالكفار في آية المائدة المشركون قراءةُ عبد الله: { ومن الذين أشركوا } ورُجِّحت قراءةُ أبي عمرو وأيضاً بالقرب، فإن المعطوفَ عليه قريبٌ، ورُجِّحت أيضاً بقراءة أُبَيّ: " ومن الكفار " بالإِتيان بـ " من " وأمَّا قراءةُ الباقين فوجهُها أنه عطفٌ على الموصول الأول أي: لا تتخذوا المستهزئين ولا الكفار أولياء، فهو كقوله تعالى:{ لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 28]، إلا أنه ليس في هذه القراءة تعرُّضٌ للإِخبار باستهزاءِ المشركين " ، وهم مستهزئون أيضاً، قال تعالى:{ إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } [الحجر: 95]، والمراد بهم مشركو العربِ، ولوضوحِ قراءةِ الجرِّ قال مكي بن أبي طالب: " ولولا اتفاقٌ الجماعة على النصب لاخترت الخفضَ لقوتِه في المعنى، ولقربِ المعطوف من المعطوف عليه ".