الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

القراءة: قرأ أبو جعفر وابن عامر { فليفرحوا } بالياء تجمعون بالتاء وقرأ يعقوب برواية رويس فلتفرحوا وتجمعون بالتاء فيهما جميعاً وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بن كعب والحسن وفي رواية زيد عن يعقوب فلتفرحوا بالتاء يجمعون بالياء وروي ذلك عن ابن عباس وقتادة وجماعة والباقون بالياء فيهما جميعاً. الحجة: قال أبو علي قوله { بفضل الله وبرحمته } الجار فيه يتعلق بمضمر استغني عن ذكره لدلالة ما تقدم عليه وهو قوله { قد جاءتكم موعظة من ربكم } كما أن قولهالآن وقد عصيت } [يونس: 91] قيل: يتعلق الظرف فيه بمضمر يدل عليه ما تقدم من الفعل وكذلك قولهالآن وقد كنتم به تستعجلون } [يونس: 51] فأما قولـه { فبذلك فليفرحوا } فإن الجار في قولـه { فبذلك } يتعلق بفليفرحوا لأن هذا الفعل اتصل بالباء قال وفرجوا بها وقال وفرحت بما قد كان من سيد بكما فأما الفاء في قولـه فليفرحوا فزيادة يدلُّك على ذلك أن المعنى فافرحوا بذلك ومثل هذه الآية قول الشاعر:
وإذا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذلِكَ فاجْزَعي   
فالفاء في قوله فاجزعي زيادة كما كانت الفاء في قولـه { فليفرحوا } زيادة ولا تكون الزيادة الأولى لأن الظرف إنما يتعلق باجزعي فأما من قرأ فلتفرحوا بالتاء فإنه اعتبر الخطاب الذي قبل وهو قولـه { قد جاءتكم موعظة } وزعموا أنها في حرف أبي فافرحوا قال أبو الحسن: وزعموا أنها لغة وهي قليلة نحو لنضرب وأنت تخاطب فأما من قرأ هو خير مما تجمعون بالتاء فعلى أنه عنى المخاطبين والغيب جميعاً إلا أنك غلبت المخاطبة على الغيبة ومن قرأ بالياء كان المعنى فافرحوا بذلك أيها المؤمنون أي افرحوا بفضل الله ورحمته فإن ما أتاكموه من الموعظة شفاء لما في الصدور ثلج اليقين النفس بالإيمان وسكون النفس إليه خير مما يجمعه غيركم من إعراض الدنيا ممن فقد هذه الحال التي حزتموها. المعنى: لمّا تقدَّم ذكر القرآن وما فيه من الوعد والوعيد عقَّبه سبحانه بذكر جلالة موقع القرآن وعظم محله في باب الأدلة فقال { يا أيها الناس } خطاب لجميع الخلق وتنبيه لهم ويقال: إنه خطاب لقريش { قد جاءتكم موعظة من ربكم } يعني القرآن والموعظة بيان ما تجب أن يحذر عنه ويرغب فيه. وقيل: هي ما يدعو إلى الصلاح ويزجر عن الفساد { وشفاء لما في الصدور } الشفاء معنى كالدواء لإزالة الداء فداء الجهل أضرُّ من داء البدن وعلاجه أعسر وأطباؤه أقل والشفاء منه أجل والصدر موضع القلب وهو أجل موضع في البدن لشرف القلب { وهدى } أي ودلالة تؤدّي إلى معرفة الحق { ورحمة للمؤمنين } أي ونعمة لمن تمسك به وعمل بما فيه وخصَّ المؤمنين بالذكر وإن كان القرآن موعظة ورحمة لجميع الخلق لأنهم الذين انتفعوا به وصف الله سبحانه القرآن في هذه الآية بأربع صفات بالموعظة والشفاء لما في الصدور وبالهدى والرحمة.

السابقالتالي
2