الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

يقول تعالـى ذكره: يتوارى هذا الـمبشِّر بولادة الأنثى من الولد له من القوم، فـيغيب عن أبصارهم { مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ } يعنـي: من مساءته إياه مـميلاً بـين أن يـمسكه علـى هُون: أي علـى هوان، وكذلك ذلك لغة قريش فـيـما ذكر لـي، يقولون للهوان: الهُون ومنه قول الـحطيئة:
فلَّـما خَشِيتُ الهُونَ والعَيْرُ مُـمْسِكٌ   علـى رَغْمِهِ ما أثبتَ الـحبلَ حافِرُهْ
وبعض بني تميم جعل الهُونَ مصدراً للشيء الهين. ذكر الكسائي أنه سمعهم يقولون: إن كنت لقلـيـل هون الـمؤنة منذ الـيوم قال: وسمعت: الهوان فـي مثل هذا الـمعنى، سمعت منهم قائلاً يقول لبعير له: ما به بأس غير هوانه، يعنـي خفـيف الثمن، فإذا قالوا: هو يـمشي علـى هَوْنه، لـم يقولوه إلا بفتـح الهاء، كما قال تعالـى:وَعبـادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَـمْشُونَ علـى الأرْضِ هَوْناً } { أمْ يَدسُّهُ فِـي التُّرَابِ } يقول: يدفنه حيًّا فـي التراب فـيئده. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: { أيُـمْسكُهُ علـى هُونٍ أمْ يَدُسُّهُ فـي التُّرَابِ } يئد ابنته. وقوله: { ألا ساءَ ما يَحْكُمُونَ } يقول: ألا ساء الـحكم الذي يحكم هؤلاء الـمشركون وذلك أن جعلوا لله ما لا يرضون لأنفسهم، وجعلوا لـما لا ينفعهم ولا يضرّهم شركاً فـيـما رزقهم الله، وعبدوا من خـلقهم وأنعم علـيهم.