الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير المنار / محمد رشيد بن علي رضا (ت 1354هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } * { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } * { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }

هذه الآيات الثلاث في إنجاء هود ومن آمن معه والجزاء والعقوبة لقومه المعاندين.

{ وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } [هود: 58] عذابنا أو وقته { نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } أي برحمة من لدنا خاصة بهم مخالفة للعادة في أسباب النجاة من العذاب العارض الذي يصيب بعض الناس دون بعض وهي التي أشير إليها في قول نوح لولدهلاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ } [هود: 43] { وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } أعاد فعل التنجية للفصل بين (منا) التي هي صفة الرحمة وبين (من) الداخلة على العذاب. أي وإنما نجيناهم من عذاب غليظ شديد الغلظة فظيع شديد الفظاعة غير معهود في العالم، وهو ما عبر عنه بالريح العقيم، التي لا تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، وبقوله تعالى:إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ * تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [القمر: 19-20] وقوله في وصف هذه الريح العاتية في قوله تعالى:فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } [الحاقة: 7-8].

{ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ } [هود: 59] أي كفروا بجنس الآيات التي يؤيد بها رسله بجحود ما جاءهم به رسولهم منها، أنث الإشارة إليهم على إرادة القبيلة وقيل إشارة إلى آثارهم، والجحود بالآيات تكذيب الدلائل الواضحة عناداً في الظاهر دون الباطن، كما قال في قوم فرعون في قوله تعالى:وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً } [النمل: 14] { وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } أي عصوا جنسهم بعصيان رسوله إليهم وإنكار رسالته فإن عصيان الواحد عصيان للجنس كله، إذ هو مبني على رفض الرسالة نفسها، بادعاء إن الرسول لا يكون بشراً { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } أي واتبع سوادهم ودهماؤهم كل جبار عنيد من رؤسائهم الطغاة العتاة المستبدين فيهم بالقهر، فالجبار القاهر الذي يجبر غيره على اتباعه بالقهر والإذلال، أو من يجبر نقص نفسه بالكبر ودعوى العظمة، والعنيد الطاغي الذي يأبى الحق ولا يذعن له، وإن ظهر له وقام عليه الدليل عنده، فهل يعتبر بهذه بقايا الملوك الجبارين في الأرض قبل انقراضهم؟

{ وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } [هود: 60] إتباع الشيء الشيء لحوقه به وإدراكه إياه بحيث لا يفوته، أي لحقت بهم لعنة في هذه الدنيا فكان كل من علم بحالهم من بعدهم ومن أدرك آثارهم، وكل من بلغه الرسل من بعدهم خبرهم يلعنونهم { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } وتتبعهم يوم القيامة عندما يلعن الأشهاد الظالمين أمثالهم كما تقدم في الآية الثامنة عشرة من هذه السورة. قال قتادة: تتابعت عليهم لعنتان من الله لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة { أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } هذه شهادة مؤكدة عليهم بالكفر أي كفروا نعمه عليهم بجحودهم بآياته وتكذيبهم لرسله كبراً وعناداً، يقال كفره وكفر به، وشكره وشكر له، ومعنى مادة الكفر في الأصل التغطية، { أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } دعاءً عليهم بالهلاك والبعد من الرحمة حكاية لبدئه، وتسجيلا لدوامه، كرر ألا المنبهة لما بعدها تعظيما لأمره، وكرر اسمهم ووصفهم بقوم هود ليفيد السامع بالتكرير تقرير استحقاقهم لللعنة والإبعاد وسببه، وأنهم ليس لهم شبهة عذر لرد الدعوة، والمعقبة للحرمان مما كانوا فيه من خير ونعمة، والانتهاء إلى ضده من شقاء ونقمة.

السابقالتالي
2