الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }

{ يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ } يستخفي من قومه { مِن سُوء مَا بُشّرَ بِهِ } عرفاً وهو الأنثى، والتعبير عنها ـ بما ـ لإسقاطها بزعمهم عن درجة العقلاء، والجملة مستأنفة أو حال على الأوجه السابقة فيوَهُوَ كَظِيمٌ } [النحل: 58] إلا كونه من وجهه، والجاران متعلقان ـ بيتوارى ـ و { مِنْ } الأولى ابتدائية، والثانية تعليلية أي يتوارى من أجل ذلك، ويروى أن بعض الجاهلية يتوارى في حال الطلق فإن/ أخبر بذكر ابتهج أو بأنثى حزن وبقي متوارياً أياماً يدبر فيها ما يصنع { أَيُمْسِكُهُ } أيتركه ويربيه { عَلَىٰ هُونٍ } أي ذل، والجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل ولذا قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: معناه أيمسكه مع رضاه بهوان نفسه وعلى رغم أنفه، وقيل: حال من المفعول به أي أيمسك المبشر به وهو الأنثى مهاناً ذليلاً، وجملة { أَيُمْسِكُهُ } معمولة لمحذوف معلق بالاستفهام عنها وقع حالاً من فاعل { يَتَوَارَىٰ } أي محدثاً نفسه متفكراً في أن يتركه { أَمْ يَدُسُّهُ } يخفيه { فِى ٱلتُّرَابِ } والمراد يئده ويدفنه حياً حتى يموت وإلى هذا ذهب السدي وقتادة وابن جريج وغيرهم، وقيل: المراد إهلاكه سواء كان بالدفن حياً أم بأمر آخر فقد كان بعضهم يلقي الأنثى من شاهق. روي أن رجلاً قال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما أجد حلاوة الإسلام منذ أسلمت، وقد كانت لي في الجاهلية بنت وأمرت امرأتي أن تزينها وأخرجتها فلما انتهيت إلى واد بعيد القعر ألقيتها فقالت يا أبت قتلتني فكلما ذكرت قولها لم ينفعني شيء فقال صلى الله عليه وسلم: " ما في الجاهلية فقد هدمه الإسلام وما في الإسلام يهدمه الاستغفار " وكان بعضهم يغرقها، وبعضهم يذبحها إلى غير ذلك، ولما كان الكل إماتة تفضي إلى الدفن في التراب قيل: { أَمْ يَدُسُّهُ فِى ٱلتُّرَابِ } وقيل: المراد إخفاؤه عن الناس حتى لا يعرف كالمدسوس في التراب، وتذكير الضميرين للفظ { مَا }. وقرأ الجحدري بالتأنيث فيهما عوداً على قوله سبحانه: { بالأنثى } أو على معنى { مَا }. وقرىء بتذكير الأول وتأنيث الثاني، وقرأ الجحدري أيضاً وعيسى { هوان } بفتح الهاء وألف بعد الواو، وقرىء { على هون } بفتح الهاء وإسكان الواو وهو بمعنى الذل أيضاً، ويكون بمعنى الرفق واللين وليس بمراد، وقرأ الأعمش { على سوء } وهي عند أبـي حيان تفسير لا قراءة لمخالفتها السواد.

{ أَلاَ سَآء مَا يَحْكُمُونَ } حيث يجعلون لمن تنزه عن الصاحبة والولد ما هذا شأنه عندهم والحال أنهم يتحاشون عنه ويختارون لأنفسهم البنين، فمدار الخطأ جعلهم ذلك لله تعالى شأنه مع إبائهم إياه لا جعلهم البنين لأنفسهم ولا عدم جعلهم له سبحانه، وجوز أن يكون مداره التعكيس كقوله تعالى:

السابقالتالي
2