الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجامع لاحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى: { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ } هذه الآية والتي بعدها إلى قوله { شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } فيها عشر مسائل: الأولى ـ قوله تعالى: { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ } يعني ما ردّه الله تعالى { عَلَىٰ رَسُولِهِ } من أموال بني النَّضِير. { فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ } أوْضَعْتم عليه. والإيجاف: الإيضاع في السير وهو الإسراع يقال: وَجَفَ الفرسُ إذا أسرع، وأوجفته أنا أي حركته وأتعبته ومنه قول تميم بن مقبل:
مَذاوِيد بالبِيض الحديثِ صِقالُها   عن الركب أحياناً إذا الركب أوْجَفُوا
والركاب الإبل، واحدها راحلة. يقول: لم تقطعوا إليها شُقّة ولا لقيتم بها حرباً ولا مشقة وإنما كانت من المدينة على مِيلَيْن قاله الفرّاء. فمشَوْا إليها مَشْياً ولم يركبوا خيلاً ولا إبلاً إلا النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنه ركب جملاً وقيل حماراً مخطوماً بليف، فافتتحها صلحاً وأجلاهم وأخذ أموالهم. فسأل المسلمون النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يَقسم لهم فنزلت: { وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ } الآية. فجعل أموال بني النَّضير للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصَّةً يضعها حيث شاء فقسمها النبيّ صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين. قال الواقدىّ: ورواه ابن وهب عن مالك ولم يعط الأنصار منها شيئاً إلا ثلاثة نفر محتاجين منهم أبو دُجَانة سِمَاك بن خَرَشة، وسهل بن حُنيف، والحارث بن الصِّمّة. وقيل إنما أعطى رجلين، سهلاً وأبا دُجَانة. ويقال: أعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحُقَيق، وكان سيفاً له ذِكْرٌ عندهم. ولم يُسلم من بني النَّضير إلا رجلان: سفيان بن عمير، وسعد بن وهب أسلما على أموالهما فأحرزاها. وفي صحيح مسلم " عن عمر قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يُوجِف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، وكانت للنبيّ صلى الله عليه وسلم خاصّةً، فكان ينفق على أهله نفقةَ سنة، وما بقى يجعله في الكُرَاع والسلاح عُدّةً في سبيل الله تعالى. وقال العباس لعمر ـ رضي الله عنهما ـ: اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن ـ يعني عليا رضي الله عنه ـ فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير. فقال عمر: أتعلمان أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «لانُورَث ما تركناه صدقة» قالا نعم. قال عمر: إن الله عز وجل كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة ولم يُخَصِّص بها أحداً غيره. قال: { مَّآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ ٱلأَغْنِيَآءِ مِنكُمْ وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النَّضير، فوالله ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة، ثم يجعل ما بقي أسْوَةَ المال... "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7