الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ }

{ ذو مرة } اى حصافة يعنى استحكام فى عقله ورأيه ومتانة فى دينه قال الراغب امررت الحبل اذا فتلته والمرير والممر المفتول ومنه فلان ذو مرة كأنه محكم الفتل وفى القاموس المرة بالكسر قوة الخلق وشدة والجمع مرر وامرار والعقل والاصالة والاحكام والقوة وطاقة الحبل كالمريرة وذو مرة جبريل عليه السلام والمريرة الحبل الشديد الفتل { فاستوى } عطف على علمه بطريق التفسير فانه الى قولهمااوحى } بيان لكيفية التعليم اى فاستقام جبريل واستقر على صورته التى خلقه الله عليها وله ستمائة جناح موشحا اى مزينا بالجواهر دون الصورة التى كان يتمثل بها كلما هبط بالوحى كصورة دحية امير العرب وكما اتى ابراهيم عليه السلام فى صورة الضيف وداود عليه السلام فى صورة الخصم وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم احب أن يراه فى صورته التى جبل عليها وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبل حرآء وهو الجبل المسمى بجبل النور فى قرب مكة فقال ان الارض لاتسعنى لكن انظر الى السماء فطلع جبريل من المشرق فسد الارض من المغرب وملأ الافق فخر رسول الله كما خر موسى فى جبل الطور فنزل جبريل فى صورة الآدميين فضمه الى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه وذلك فان الجسد وهو فى الدنيا لايتحمل رؤية ماهو خارج عن طور العقل فمنها رؤية الملك على صورة جبل عليها واعظم منها رؤية الله تعالى فى هذه الدار قيل مارآه احد من الانبياء فى صورته غير نبينا عليه السلام فانه رآه فيها مرتين مرة فى الارض ومرة فى السماء ليلة المعراج عند سدرة المنتهى لما سيأتى وروى ان حمزة بن عبدالمطلب رضى الله عنه قال يارسول الله أرنى جبرآئيل فى صورته فقال انك لا تستطيع أن تنظر اليه قال بلى يارسول الله أرينه فقعد ونزل جبرآئيل فى صورته على خشبة فى الكعبة كان المشركون يضعون ثيابهم عليها اذا طافوا فقال عليه السلام ارفع طرفك ياحمزة فانظر فرفع عينيه فاذا قدماه كالزبرجد الاخضر فخر مغشيا عليه وروى انه رآه على فرس والدنيا بين كلكلها وفى وجهه اخدود من البكاء لو ألقيت السفن فيه لجرت انما رآه عليه السلام مرتين ليكمل له الامر مرة فى عالم الكون والفساد واخرى فى المحل الأنزه الأعلى وانما قام بصورة ليؤكدان مايأتيه فى صورة دحية هو هو فانه اذا رآه فى صورة نفسه عرفه حق معرفته ولم يبق عليه اشتباه بوجه ماوفى كشف الاسرار فان قيل كيف يجوز أن يغير الملك صورة نفسه وهل يقدر غير الله على تغيير صورة المخلوقين وقد قلتم ان جبرآئيل أتى رسول الله مرة فى صورة رجل ومرة فى صورته التى ابتدأه الله عليها وان ابليس أتى قريشا فى صورة شيخ من اهل نجد فالجواب عنه تغيير الصور الذى هو تغيير التركيب والتأليف لايقدر عليه الا الله واما صفة جبرآئيل ففعل الله تعالى تنبيها للمصطفى عليه السلام وليعلم انه امر من الله اذرآه فى صور مختلفة فان ذلك لايقدر عليه الا الله وهو ان يراه مرة قد سد الافق واخرى يجمعه مكان ضيق واما ابليس فكان ذلك منه تخييلا للناظرين وتمويها دون التحقيق كفعل السحرة بالعصى والحبال قال الله تعالى

السابقالتالي
2 3