الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }

القراءة: قولـه تعالى: { أنذرتهم } فيه ثلاث قراءات قرأ عاصم وحمزة والكسائي إذا حقق بهمزتين وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو بالهمزة والمد وتليين الهمزة الثانية والباقون يجعلونها بين بين وكذلك قراءة الكسائي إذا خففت وأبو عمرو أطول مدَّاً من ابن كثير واختلف في المد عن نافع وقرأ ابن عامر بألف بين همزتين ويجوز في العربية ثلاثة أوجه غيرها أأنذرتهم بتحقيق الهمزة الأولى وتخفيف الثانية بجعلها بين بين وأنذرتهم بهمزة واحدة وعليهم أنذرتهم على إلقاء حركة الهمزة على الميم نحو قد أفلح فيما روي عن نافع. الحجة: أما وجه الهمزتين فهو أنه الأصل لأن الأولى همزة الإستفهام والثانية همزة أفعل وأما إدخال الألف بين الهمزتين فمن قرأه أراد أن يفصل بين الهمزتين استثقالاً لاجتماع المثلين كما فصل بين النونين في نحو اضربنانّ استثقالاً لاجتماع لنونات ومنه قول ذي الرمة:
فَيا ظَبْيَةَ الوَعْساءِ بَيْنَ جُلاْجِلٍ   وبينَ النَّقَاء أَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمِ
وأما من فصل بين الهمزتين وليّن الثانية فوجهه التخفيف من جهتين الفصل والتليين لأنك إِذا لينتها فقد أمتَّها وصار اللفظ كأنه لا استفهام فيه ففي المد توكيد الدلالة على الاستفهام كما في تحقيق الهمزة وأما من حقق الأولى ولين الثانية من غير فصل بالألف فهو القياس لأنه جعل التليين عوضاً عن الفصل وأما من اكتفى بهمزة واحدة فإنه طرح همزة الاستفهام وهو ضعيف وقد جاء في الشعر قال عمر بن أبي ربيعة:
لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنْتُ دَارِياً   بِسَبْعٍ رَمينَ الْجَمْرَ أَمْ بِثمانِ
وأما من ألقى حركة الهمزة على الميم فإنه على تليين الأولى وتحقيق الثانية والعرب لذا لينوا الهمزة المتحركة وقبلها ساكن ألقوا حركتها على ما قبلها قالوا مَنَ بوك ومنُ مُّك وكم بلك. اللغة: الكفر خلاف الشكر كما أن الحد خلاف الذم فالكفر ستر النعمة وإخفاؤها والشكر نشرها وإظهارها وكل ما ستر شيئاً فقد قال لبيد:
في لَيْلَةٍ كَفَرَ النُجومَ غمَامُها   
أي سترها وسواء مصدر أقيم مقام الفاعل كقولك زور وصوم ومعناه مستو والاستواء الاعتدال والسواء العدل قال زهير:
أَرُونِيَ خطَّةً لاَ خَسْفَ فِيها   يُسَوِّي بَيْنَنا فِيهَا السَّوَاءُ
وقالوا سي بمعنى سواء كما قالوا قي وقواء وسيان أي مثلان والإنذار إعلام معه تخويف فكل منذر معلم وليس كل معلم منذراً ويوصف القديم تعالى بأنه منذر لأن الإعلام يجوز وصفه به والتخويف أيضاً كذلك لقولـه يُخوّف الله به عباده فإِذا جاز وصفه بالمعنيين جاز وصفه بما يشتمل عليهما وأنذرت يتعدى إلى مفعولين كقولـه:إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } [النبأ: 40] وقد ورد إلى المفعول الثاني بالباء في قولـه:قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ } [الأنبياء: 45] وقيل الإنذار هو التحذير من مُخوّف يتسع زمانه للإحتراز منه فإِن لم يتسع فهو إشعار.

السابقالتالي
2 3