الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ }

أي الموقد ناراً. أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم وأبو الشيخ في «العظمة» عن سعيد بن المسيب قال: قال علي كرم الله تعالى وجهه لرجل من اليهود: أين موضع النار في كتابكم؟ قال: البحر فقال كرم الله تعالى وجهه: ما أراه إلا صادقاً، وقرأ { وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ }وَإِذَا ٱلْبِحَارُ سُجّرَتْ } [التكوير: 6] وبذلك قال مجاهد وشمر بن عطية والضحاك ومحمد بن كعب والأخفش، وقال قتادة: المسجور المملوء يقال: سجره أي ملأه، والمراد به عند جمع البحر المحيط، وقيل: بحر في السماء تحت العرش، وأخرج ذلك ابن أبـي حاتم وغيره عن علي كرم الله تعالى وجهه وابن جرير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وفي «البحر» إنهما قالا: فيه ماء غليظ، ويقال له: بحر الحياة يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحاً فينبتون في قبورهم، وأخرج أبو الشيخ عن الربيع أنه الملأ الأعلى الذي تحت العرش وكأنه أراد به الفضاء الواسع المملوء ملائكة.

وعن ابن عباس { ٱلْمَسْجُورِ } الذي ذهب ماؤه، وروى ذو الرمة الشاعر - وليس له كما قيل حديث غير هذا - عن الحبر قال: خرجت أمة لتستقي فقالت: إن الحوض مسجور أي فارغ فيكون من الأضداد، وحمل كلامه رضي الله تعالى عنه على إرادة البحر المعروف، وأن ذهاب مائه يوم القيامة، وفي رواية عنه أنه فسره بالمحبوس، ومنه ساجور الكلب وهي القلادة التي تمسكه وكأنه عنى المحبوس من أن يفيض فيغرق جميع الأرض، أو يغيض فتبقى الأرض خالية منه.

وقيل: { ٱلْمَسْجُورِ } المختلط، وهو نحو قولهم للخليل المخالط: سجير، وجعله الراغب من سجرت التنور لأنه سجير في مودّة صاحبه، والمراد بهذا الاختلاط تلاقي البحار بمياهها واختلاط بعضها ببعض، وعن الربيع اختلاط عذبها بملحها، وقيل: احتلاطها بحيوانات الماء، وقيل: المفجور أخذاً من قوله تعالى:وَإِذَا ٱلْبِحَارُ فُجّرَتْ } [الانفطار: 3] ويحتمله ما أخرجه ابن المنذر عن ابن عباس من تفسيره بالمرسل، وإذا اعتبر هذا مع ما تقدم عنه آنفاً من تفسيره بالمحبوس يكون من الأضداد أيضاً، وقال منبه بن سعيد: هو جهنم سميت بحراً لسعتها وتموجها.

والجمهور على أن المراد به بحر الدنيا ـ وبه أقول ـ وبأن المسجور بمعنى الموقد، ووجه التناسب بين القرائن بعد تعين ما سيق له الكلام لائح، وهو هٰهنا إثبات تأكيد عذاب الآخرة وتحقيق كينونته ووقوعه، فأقسم سبحانه له بأمور كلها دالة على كمال قدرته عز وجل مع كونها متعلقة بالمبدأ والمعاد، فالطور لأنه محل مكالمة موسى عليه السلام، ومهبط آيات المبدأ والمعاد يناسب حديث إثبات المعاد وكتاب الأعمال كذلك مع الايماء إلى أن إيقاع العذاب عَدْلٌ منه تعالى فقد تحقق ودون في { ٱلْكِتَـٰبِ } ما يجر إليه قبل، { وَٱلْبَيْتِ ٱلْمَعْمُورِ } لأنه مطاف الرسل السماوية، ومظهر لعظمته تعالى، ومحل لتقديسهم وتسبيحهم إياه جل وعلا، { وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ } لأنه مستقرهم ومنه تنزل الآيات، وفيه الجنة.

السابقالتالي
2