الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }

{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ } استئناف مسوق لتعيين ما هو المراد بما تقدم، وقيل: شروع في توبيخهم ببذل النصح لهم والأول أظهر. والرؤية عرفانية، وقيل: بصرية، والمراد في أسفارهم وليس بشيء. وهي على التقديرين تستدعي مفعولاً واحداً. و { كَمْ } استفهامية كانت أو خبرية معلقة لها عن العمل مفيدة للتكثير سادة مع ما في حيزها مسد مفعولها، وهي منصوبة بأهلكنا على المفعولية، وهي عبارة / عن الأشخاص، وقيل: إن الرؤية علمية تستدعي مفعولين والجملة سادة مسدهما. و { مّن قَرْنٍ } مميز لـ { كم } على أنه عبارة عن أهل عصر من الأعصار سموا بذلك لاقترانهم مدة من الزمان فهو من قرنت. واختلف في مقدار تلك المدة فقيل: مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة، وقيل: ثمانون، وقيل: سبعون، وقيل: ستون، وقيل: ثلاثون، وقيل: عشرون، وقيل: مقدار الأوسط في أعمار أهل كل زمان. ولما كان هذا لا ضابط له يضبط قال الزجاج: إنه عبارة عن أهل عصر فيهم نبـي أو فائق في العلم على ما جرت به عادة الله تعالى. ويحتمل أن يعتبر ذلك مائة سنة لما ورد أن الله تعالى قيض لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها. وقيل: هو عبارة عن مدة من الزمان اختلف فيها على طرز ما تقدم. واختار بعضهم أنه حقيقة في الزمان المعين وفي أهله. والمراد به هنا الأهل من غير تجشم تقدير مضاف أو ارتكاب تجوز. وجوز بعضهم انتصاب { كَمْ } على المصدرية بأهلكنا بمعنى إهلاك أو على الظرفية بمعنى أزمنة وهو تكلف. و (من) الأولى ابتدائية متعلقة بأهلكنا. وهمزة الإنكار لتقرير الرؤية. والمعنى ألم يعرف هؤلاء المكذبون المستهزئون بمعاينة الآثار وتواتر الأخبار كم أمة أهلكنا من قبل خلقهم أو من قبل زمانهم كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأضرابهم فالكلام على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.

وقوله تعالى: { مَّكَّنَّـٰهُمْ فِى ٱلأَرْضِ } استئناف بياني كأنه قيل ما كان حالهم؟، وقال أبو البقاء: إنه في موضع جر صفة { قَرْنٍ } لأن الجمل بعد النكرات صفات لاحتياجها إلى التخصيص. وجمع الضمير باعتبار معناه. وتعقبه مولانا شيخ الإسلام «بأن تنوينه التفخيمي مغن له عن استدعاء الصفة، على أن ذلك مع اقتضائه أن يكون مضمونه ومضمون ما عطف عليه من الجمل الأربع [أمراً] مفروغاً عنه غير مقصود لسياق النظم مؤد إلى اختلاف النظم الكريم، كيف لا والمعنى حينئذ: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن موصوفين بكذا وكذا وبإهلاكنا لهم بذنوبهم وأنه بين الفساد» انتهى. ولا يخفى أن التنوين التفخيمي لا يأبى الوصف. وما ورد فيه ذلك من النكرات أكثر من أن يحصى، وأما ما ذكره بعد فقد قال الشهاب: إنه غفلة منه أو تغافل عن تفسيرهم { فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ } الخ الآتي بقولهم لم يغن ذلك عنهم شيئاً.

السابقالتالي
2 3