الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ }

{ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ } إما معطوف علىإذ } [الصف: 5] الأولى معمول لعاملها، وإما معمول لمضمر معطوف على عاملها { يٰبَنِى إِسْرٰءيلَ } ولعله عليه السلام لم يقل يا قومي كما قال موسى عليه السلام بل قال: { يٰبَنِى إِسْرٰءيلَ } لأنه ليس له النسب المعتاد وهو ما كان من قبل الأب فيهم، أو إشارة إلى أنه عامل بالتوراة وأنه مثلهم في أنه من قوم موسى عليه السلام هضماً لنفسه بأنه لا أتباع له ولا قوم، وفيه من الاستعطاف ما فيه، وقيل: إن الاستعطاف / بما ذكر لما فيه من التعظيم، وقد كانوا يفتخرون بنسبتهم إلى إسرائيل عليه السلام.

{ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ } أي مرسل منه تعالى إليكم حال كوني مصدقاً، فنصب { مُصَدّقاً } على الحال من الضمير المستتر في { رَّسُولٍ } وهو العامل فيه، و { إِلَيْكُمْ } متعلق به، وهو ظرف لغو لا ضمير فيه ليكون صاحب حال، وذكر هذا الحال لأنه من أقوى الدواعي إلى تصديقهم إياه عليه السلام.

وقوله تعالى: { وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى } معطوف على { مُصَدّقاً } ، وهو داع أيضاً إلى تصديقه عليه السلام من حيث إن البشارة بهذا الرسول صلى الله عليه وسلم واقعة في التوراة كقوله تعالى في الفصل العشرين من السفر الخامس منها: أقبل الله من سينا وتجلى من ساعير وظهر من جبال فاران معه الربوات الأطهار عن يمينه، وقوله سبحانه في الفصل الحادي عشر من هذا السفر: يا موسى إني سأقيم لبني إسرائيل نبياً من إخوتهم مثلك أجعل كلامي في فيه، ويقول لهم ما آمره فيه، والذي لا يقبل قول ذلك النبـي الذي يتكلم باسمي أنا أنتقم منه ومن سبطه إلى غير ذلك، ويتضمن كلامه عليه السلام أن دينه التصديق بكتب الله تعالى وأنبيائه عليهم السلام جيمعاً من تقدم ومن تأخر. وجملة { يَأْتِىَ } الخ في موضع الصفة ـ لرسول ـ وكذا جملة قوله تعالى: { ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } وهذا الاسم الجليل علم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعليه قول حسان:
صلى الإلٰه ومن يحف بعرشه   والطيبون على المبارك أحمد
وصح من رواية مالك والبخاري ومسلم والدارمي والترمذي والنسائي عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا الماحي الذي يمحو الله بـي الكفر وأنا العاقب " والعاقب الذي ليس بعده نبـي وهو منقول من المضارع للمتكلم أو من أفعل التفضيل من الحامدية، وجوز أن يكون من المحمودية بناءاً على أنه قد سمع أحمد اسم تفضيل منها نحو العود أحمد، وإلا فأفعل من المبني للمفعول ليس بقياسي.

السابقالتالي
2 3