الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَٰنُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ }

قيل: الإنسان للجنس وقيل لفرد، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن السياق يدل للأول للتقسيم الآتي، فأما من أوتى كتابه بيمينه، وأما من أوتي كتابه بشماله، لأنه لا يكون لفرد، وإنما للجنس وعلى أنه للجنس فالكدح العمل جهد النفس.

وقال ابن مقبل:
وما الدَّهر إلا تارتان فمنهما   أموت وأخرى أبتغي العَيش أكدح
وقال غيره مشيراً إلى أن الكدح فيه معنى النصب:
ومضت بشاشة كُل عيش صالح   وبقيت أكدح للحياة وأَنْصب
ويشهد لهذا قوله تعالى:لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد: 4]، كما قدمنا في محله.

تنبيه

من هذا العرض القرآني الكريم من مقدمة تغيير أوضاع الكون سماء وأرضاً، ووضع الإنسان في يكدح إلى ربه كدحاً فملاقيه، أي بعمله الذي يحصل عليه من خلال كدحه، فإن العاقل المتبصر لا يجعل كدحه إلاّ فيما يرضي الله ويرضى هو به، إذا لقي ربه ما دام أنه كادح، لا محالة كما هو مشاهد.

تنبيه آخر

قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلإِنسَانُ } عام في الشمول لكل إنسان مهما كان حاله من مؤمن وكافر، ومن بر وفاجر، والكل يكدح ويعمل جاهد التحصيل ما هو مقبل عليه، كما في الحديث: " اعملوا كل ميسر لما خلق له " أي ومجد فيه وراض به، وهذا منتهى حكمة العليم الخبير.

ومما هو جدير بالتنبيه عليه، هو أنه إذا كانت السماء مع عظم جرمها، والأرض مع مساحة أصلها أذنت لربها وحقت، مع أنها لم تتحمل أمانة، ولن تسأل عن واجب فكيف بالإنسان على ضعفه،أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ } [النازعات: 27]، وقد تحمل أمانة التكليف فأشفقن منها وحملها الإنسان، فكان أحق بالسمع والطاعة في كدحه، إلى أن يلقى ربه لما يرضيه.