الرئيسية - التفاسير


* تفسير تيسير التفسير/ اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }

{ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّن الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ } يعتصمون بهم ويلتجئون إِليهم فى دفع الآفات إِذا أمسى الرجل من العرب فى واد وخاف على نفسه نادى بأَعلى صوته يا عزيز هذا الوادى أعوذ بك من السفهاء الذين فى طاعتك، يريد بالسفهاء سفهاء الجن وبالعزيز كبيرهم فى الرياسة، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدله " إِذا أصاب أحداً منكم وحشة أو نزل بأَرض مجنة فليقل أعوذ بكلمات الله التامات اللاتى لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما يلج فى الأَرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج إِليها ومن فتن النهار ومن طوارق الليل إِلا طارقاً يطرق بخير " وعن كردم ابن أبى السائب الأَنصارى خرجت مع أبى إِلى المدينة فى حاجة أول ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فأَوانا المبيت إِلى راعى غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأَخذ حملاً من الغنم فوثب الراعى فقال يا عامر الوادى جارك فنادى مناد لا نراه يا سرحان أرسله فأَتى الحمل يشتد حتى دخل الغنم ولم تصبه كدمته، فأَنل الله تعالى بمكة { وأنه كان رجال من الإِنس يعوذون برجال من الجن } وفى الآية إِطلاق الرجل على الجن وهو وارد فى الحديث وسائر كلام العرب حقيقة لا مجازاً فلا حاجة إِلى تأَويل بعضهم الاية بتعليق من الجن بيعوذون وأن المعنى أنه كان رجال من الإنس يعوذون من شر الجن برجال من الإِنس، يقول الرجل مثلاً أعوذ بحذيفة بن بدر من جن هذا الوادى فإِن هذا تكلف مناف للظاهر الذى عليه الجمهور دعاه إِلى هذا التكلف أن لا يطلق الرجل على الجن ثم نقول أنه سمع كلام العرب، والأَصل أن إِطلاقه عليهم حقيقة ومن نفى أنه حقيقة أجازه على التجوز والصواب، أنه حقيقة كما يطلق المرأة عليهم والطفل والشيخ والذكر والأُنثى. { فَزَادُوهُمْ } الواو للرجال العائدين لأَنهم المحدث عنهم وهم من الإنِس والهاء للجن { رَهَقاً } تكبراً وعتواً، تقول الجن المتعوذ بهم سدنا الجن والإِنس وبذلك قال مجاهد وقال قتادة وأبو العالية الرهق الإِثم، فالمعنى أن الإنس زادوا الجن إِثماً لأَنهم عظموهم فزادوا استحلالاً لمحارم الله تعالى، ويجوز عود الواو لرجال الجن والهاء لرجال الإنس العائدين بمعنى أن الجن زادوا الإِنس إِثماً بأَن أضلوهم حتى استعاذوا بهم وقدر بعض فاتبعوهم فزادوهم رهقاً، ومن العياذة بالجن إِلقاء الملح والرماد حيث عثر الإِنسان أو أُصيب بضر ظناً أن ذلك من الجن، ومن العياذة بهم ذبح شاة فى نفس الموضع الذى يريدون حفر البئر فيه أو فى دار أُريد الحفر فيها للبئر وكل ذلك حرام لأَن قصدهم التملق إِلى الجن بإِلقاء الملح والرماد فهو كالذبح لهم وكذا إِلقاء القصبر أو نحوه لهم بنار أو بلا نار.