الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

قوله تعالى: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ } أي: ومن المنافقين الذين يؤذون النبي.

قال مقاتل وغيره: منهم الجلاس بن سويد، وشاس بن قيس، ومخشي بن الحمير، ورفاعة بن زيد، ورفاعة بن عبدالمنذر، وعبيدة بن الحارث، قالوا ما لا ينبغي، فقال رجل منهم: لا تفعلوا، فإنا نخاف أن يبلغ محمداً فيقع بنا. فقال جلاس: نقول ما شئنا، فإنما محمد أذن سامعة، فنأتيه فيصدقنا بما نقول، فنزل في الجلاس: { وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ... } الآية.

فائدة ينبغي أن تلاحظ:

اعلم أنه يجب على العاقل أن لا يبادر إلى سبّ كل من سمع عنه النفاق والوقيعة فيهم، فإن جماعة من المنافقين بل أكثرهم راجعوا رشدهم حين اطلعوا على محاسن الإسلام وظهرت لهم براهين صحته، وشاهدوا معجزات المبعوث به صلى الله عليه وسلم. هذا مخشي بن الحمير كان يُلْمَز بالنفاق، ثم تاب وحسنت توبته، وسمي عبدالرحمن، وسأل الله تعالى أن يُقتل شهيداً، ولا يُعلم مكانه، فقُتل يوم اليمامة شهيداً، ولم يُرَ له أثر.

وأما الجلاس فحَسُنَتْ توبته، على ما سنذكره عن قريب إن شاء الله تعالى.

ورفاعة حَسُنَ إسلامه أيضاً. ورفاعة بن عبد المنذر هو أبو لبابة، ولا مغمز فيه، شهد بدراً والعقبة.

ومعنى قوله: { هُوَ أُذُنٌ } يُصَدِّقُ كل ما يسمع، فسماه بالجارحة التي هي آلة السماع، مبالغة في استعداده لقبول كل ما يسمعه، وانحلال عزيمته عن ظنهم الفاسد.

وكان نافع يُسَكِّن الذال حيث وقع.

{ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ } أي: هو أذن خير لا أذن شَرّ، يسمع الخير وينقاد إليه، وإذا سمع الشر أعرض عنه تنزهاً منه.

وقرأت لعاصم من طريقي الأعشى والبرجمي عن أبي بكر عنه: " قل أذنٌ " بالتنوين، " خيرٌ " بالرفع. وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس والحسن ومجاهد، على معنى: قل هو أذن كما تقولون يسمع منكم ويصدقكم خير لكم من أن يحاققكم ويكذبكم.

{ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } يصدق بوحدانيته وتنزيله، { وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } يصدقهم فيما يخبرونه به. فأما أنتم أيها المنافقون فإنه يجري معكم على وفق طباعه المستقيمة وأغراضه السليمة فيعيركم أذناً سامعة، يتغابى عن فضائحكم وقبائحكم، وهو أعلم بكم منكم كرماً ووقاراً. كما قيل:
ليس الغبي بسيد في قومه     لكن سيد قومه المتغابي
{ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ } أي: هو رحمة لهم؛ لأنه أوضح لهم مسالك النجاة.

وقيل: ورحمة للذين أظهروا الإيمان من المنافقين، حيث لم يُنقب عن ضمائرهم ويستكشف عن سرائرهم.

وقرأ حمزة: " رحمةٍ " بالجر، عطفاً على قوله: " أذن خير ".

وقرأ ابن أبي عبلة: " ورحمةً " بالنصب.

قال الزمخشري: هي عِلَّة معلَّلُها محذوف، تقديره: ورحمة لكم يأذن لكم، فحذف؛ لأن قوله: " أُذُن خير لكم " يدل عليه.

ثم توعد الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم من المنافقين فقال: { وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.