الرئيسية - التفاسير


* تفسير لطائف الإشارات / القشيري (ت 465 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

قوله جلّ ذكره: { أَمَّن جَعَلَ ٱلأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ }.

نفوسُ العابدين قرارُ طاعتهم، وقلوبُ العارفين قرار معرفتهم، وأرواح الواجدين قرار محبتهم، وأسرار الموحِّدين قرار مشاهدتهم، في أسرارهم أنوار الوصله وعيون القربة، وبها يسكن ظمأُ اشتياقهم وهيجانُ قَلَقِهم واحتراقِهم.

{ وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } من الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة.

ويقال { وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ } اليقين والتوكل.

ويقال الرواسي في الأرض الأبدالُ والأولياء والأوتاد؛ بهم يديم إمساكَ الأرض، وببركاتهم يَدْفَعُ عن أهلها البلاء.

ويقال الرواسي هم الأئمة الذين يَهْدُون المسترشدين إلى الله.

قوله جلّ ذكره: { وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَـٰهٌ مَّعَ ٱلله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }.

{ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً } بين القلب والنفس لئلا يغلب أحدُهما صاحبَه. ويقال بين العبودية وأحكامها، والحقيقة وأحكامها، فلو غَلَبَتْ العبوديةُ كان جَحْداً للحقيقة، ولو غلبت الحقيقةُ العبوديةَ كانت طَيّاً للشريعة.

ويقال: ألْسِنَةُ المريدين مَقَرُّ ذكره، وأسماعُهم مَحلُّ الإدراك الموصِّل إلى الفهم، والعيون مقر الاعتبار.