الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنتُمْ سَامِدُونَ }

أي لاهون كما روي عن ابن عباس جواباً لنافع بن الأزرق، وأنشد عليه قول هزيلة بنت بكر وهي تبكي قوم عاد:
ليت (عاداً) قبلوا الحق   ولم يبدوا جحودا
قيل: قم فانظر إليهم   ثم دع عنك (السمودا)
وفي رواية أنه رضي الله تعالى عنه سئل عن السمود، فقال: البرطمة وهي رفع الرأس تكبراً أي وأنتم رافعون رؤوسكم تكبراً، وروي تفسيره بالبرطمة عن مجاهد أيضاً، وقال الراغب: ((السامد اللاهي الرافع رأسه من سمد البعير في سيره إذا رفع رأسه))، وقال أبو عبيدة: السمود الغناء بلغة حمير يقولون: يا جارية اسمدي لنا أي غني لنا، وروي نحوه عن عكرمة، وأخرج عبد الرزاق والبزار وابن جرير والبيهقي في «سننه» وجماعة عن ابن عباس أنه قال: هو الغناء باليمانية وكانوا إذا سمعوا القرآن غنوا تشاغلاً عنه، وقيل: يفعلون ذلك ليشغلوا الناس عن استماعه، والجملة الاسمية على جميع ذلك حال من فاعل ـ لا تبكون ـ ومضمونها قيد للنفي والإنكار متوجه إلى نفي البكاء ووجود السمود، وقال المبرد: السمود الجمود والخشوع كما في قوله:
رمى الحدثان نسوة آل سعد   بمقدار سمدن له (سمودا)
فرد شعورهن السود بيضاً   ورد وجوههن البيض سودا
والجملة عليه حال من فاعلتَبْكُونَ } [النجم: 60] أيضاً إلا أن مضمونها قيد للمنفي، والإنكار وارد على نفي البكاء والسمود معاً فلا تغفل. وفي حرف أبـيّ. وعبد الله ـ تضحكون ـ بغير واو، وقرأ الحسن ـ تعجبون تضحكون ـ بغير واو وضم التاءين وكسر الجيم والحاء.

واستدل بالآية كما في «أحكام القرآن» على استحباب البكاء عند سماع القرآن وقراءته، أخرج البيهقي في «شعب الإيمان» عن أبـي هريرة قال: «لما نزلتأَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ } [النجم: 59] الآية بكى أصحاب الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينهم بكى معهم فبكينا ببكائه فقال عليه الصلاة والسلام: " لا يلج النار من بكى من خشية الله تعالى ولا يدخل الجنة مصرّ على معصيته ولو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم " وأخرج أحمد في «الزهد» وابن أبـي شيبة وهناد وغيرهم عن صالح أبـي الخليل قال: لما نزلت هذه الآيةأَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } [النجم: 59-60] ما ضحك النبـي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلا أن يتبسم» ولفظ عبد بن حميد " فما رؤي النبـي عليه الصلاة والسلام ضاحكاً ولا متبسماً حتى ذهب من الدنيا " وفيه سد باب الضحك عند قراءة القرآن ولو لم يكن استهزاءاً والعياذ بالله عز وجل.