الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح البيان في تفسير القرآن/ اسماعيل حقي (ت 1127 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ انما المؤمنون } نزلت حين جمع النبى عليه السلام المسلمين يوم الجمعة ليستشيرهم فى امر الغزو وكان يثقل المقام عنده على البعض فيخرج بغير اذنه او فى حفر الخندق وكان المنافقون ينصرفون بغير امر رسول الله وكان الحفر من اهم الامور حتى حفر رسول الله بنفسه وشغل عن اربع صلوات حتى دخلت فى حد القضاء فقال تعالى { انما المؤمنون } اى الكاملون فى الايمان وهو مبتدأ خبره قوله { الذين آمنوا بالله ورسوله } عن صميم قلوبهم واطاعوهما فى جميع الاحكام فى السر والعلانية { واذا كانوا معه } مع النبى عليه السلام { على امر جامع } الى آخره معطوف على آمنوا داخل معه فى حيز الصلة اى على امر مهم يجب اجتماعهم فى شأنه كالجمعة والاعياد والحروب والمشاورة فى الامور وصلاة الاستسقاء وغيرها من الامور الداعية الى الاجتماع وصف الامر بالجمع للمبالغة فى كونه سببا لاجتماع الناس فان الامر لكونه مهما عظيم الشان صار كأنه قد جمع الناس فهو من قبيل اسناد الفعل الى السبب { لم يذهبوا } من المجمع ولم يفترقوا عنه عليه السلام { حتى يستأذنوه } عليه السلام فى الذهاب فيأذن لهم واعتبر فى كمال الايمان عدم الذهاب قبل الاستئذان لانه المميز للمخلص من المنافق ثم قال لمزيد التأكيد { ان الذين يستأذنوك } يطلبون الاذن منك { اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } لاغير المستأذنين، قال الكاشفى تعريض جمع منا فقانست كه درغزوه تبوك بتخلف ازجهاد دستورى جستند ودر باره ايشان نازل شد كهانما يستأذنك الذين لايؤمنون بالله } الآية اى فبعض المستأذنين وكل غير المستأذنين دخلوا فى الترهيب وذلك بحسب الاغراض الفاسدة ولانه فرق بين الاستئذان فى التخلف وبين الاستئذان فى الانصراف ألا ترى الى " عمر رضى الله عنه استأذنه عليه السلام فى غزوة تبوك فى الرجوع الى اهله فأذن له فقال " انطلق فوالله ما انت بمنافق " هكذا لاح بالبال { فاذا استأذنوك } اى وبعد ما تحقق ان الكاملين فى الايمان هم المستأذنون فاذا استأذنوك فى الانصراف { لبعض شأنهم } الشأن الحال والامر ولا يقال الا فما يعظم من الاحوال والامور كما فى المفردات لبعض امرهم المهم او خطبهم الملم لم يقل لشؤنهم بل قيد بالبعض تغليظا عليهم فى امر الذهاب عن مجلس رسول الله مع العذر المبسوط ومساس الحاجة { فأذن لمن شئت منهم } لما علمت فى ذلك من حكمة ومصلحة فلا اعتراض عليك فى ذلك { واستغفر لهم الله } بعد الاذن فان الاستئذان وان كان لعذر قوى لايخلوا من شائبة تفضيل امر الدنيا على الآخرة، ففيه اشارة الى ان الافضل ان لايحدث المرء نفسه بالذهاب فضلا عن الذهاب { ان الله غفور } مبالغ فى مغفرة فرطات العباد { رحيم } مبالغ فى افاضة اثر الرحمة عليهم، وفى الآية بيان حفظ الادب بان الامام اذا جمع الناس لتدبير امر من امور المسلمين ينبغى ان لا يرجعوا الا باذنه ولا يخالفوا امير السرية ويرجعوا بالاذن اذا خرجوا للغزو ونحوه وللامام ان يأذن وله ان لا يأذن الا على مايرى فمن تفرق بغير اذن صار من اهل الهوى والبدع وكان عليه السلام اذا صعد المنبر يوم الجمعة واراد رجل الخروج وقف حيث يراه فيأذن له ان شاء ولذا قال عظماء الطريقة قدس الله اسرارهم ان المريد اذا اراد ان يخرج لحاجة ضرورية ولم يجد الشيخ مكانه فان يحضر الباب ويتوجه بقلبه فيستأذن من روحانية الشيخ حتى لايستقل فى خروجه بل يقع ذلك من طريق المتابعة فان للمتابعة تأثيرا عظيما.

السابقالتالي
2