الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

تجيء هذه الآية بعد أن بيَّن لنا الله سبحانه وتعالى اعتراضات الكفار، وإيذاءهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم له وقولهم فيه ما قالوه، وفيما قالوه ما أحزنه صلى الله عليه وسلم لذلك طلب منه الحق سبحانه ألاَّ ينفعل لما قالوه انفعال الحزين، فقد قالوا: ساحر، وكاذب، ومُفْتَرٍ، ومجنون، وقد نفى عنه الحق سبحانه كل ما قالوه، فلو كان محمد صلى عليه وسلم ساحراً فلماذا لم يسحرهم هم أيضاً، وهل للمسحور إرادة مع الساحر؟! إذن: كَذَّبَ قولَهم في أنه صلى الله عليه وسلم سحر عبيدَهم وأولادَهم. وقالوا: مجنون، ولم يكن في سلوكه صلى الله عليه وسلم أدنى أثر من جنون، وفنَّد أقوالهم هذه بقوله سبحانه:نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 1-4]. فالمجنون لا يكون على خُلُق عظيم أبداً. وحين قالوا: إنه افترى القرآن، تحداهم أن يأتوا بسورة من مثل ما قال، وعجزوا عن ذلك رغم أنهم مرتاضون للشعر والأدب والبيان. وقول الحق سبحانه: { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ.. } [يونس: 65] لأن أقوالهم لا حصيلة لها من الوقوف أمام الدعوة لأن {.. ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً.. } [يونس: 65] والعزة هي القوة، والغلبة، ويقال: هذا الشيء عزيز، أي: لا يوجد مثله، وهو سبحانه العزيز المُطْلَق لأنه لا إله إلا هو لا يُغلَب ولا يُقهَر. وتلحظ حين تقرأ هذه الآية وجود حرف " الميم " فوق كلمة { قَوْلُهُمْ } وتعني: ضرورة الوقف هنا. ولسائل أن يقول: كيف يلزم الوقف هنا مع أن القرآن الكريم مبنيٌّ على الوصل وآخر حرف في كل سورة تجده مُنوَّناً، وليس في القرآن ما يُلزِم الوقف للقارىء؟ وأقول رَدّاً على هذا التساؤل: إن العلماء حين لاحظوا ضعف مَلَكة اللغة جاءوا بهذا الوقف ليتفهم القارىء - الذي لا علم له بالبيان العربي - كيف يقرأ هذه الآية، فهَبْ أن واحداً لا يملك فطنة الأداء، فينسب {.. إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً.. } [يونس: 65] إلى { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ.. } [يونس: 65]. ويخطىء الفهم، ويظن - معاذ الله - أن العزة لله هي أمر يُحزِن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك جاء العلماء بالوقف هنا لندقِّق القراءة ونُحْسِن الفهم. ولذلك علينا أن نقرأ {.. وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ.. } [يونس: 65] ثم نتوقف قبل أن نتابع القراءة { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً.. } [يونس: 65] وبهذا نفهم المعنى: يجب ألاَّ تحزن يا محمد لأن أقوالهم لن تغيّر في مجرى حتمية انتصارك عليهم. ويريد الحق سبحانه هنا أن يطمئن رسوله صلى الله عليه وسلم في أمر محدد، هو أنه صلى الله عليه وسلم مهمته هي البلاغ فقط، وليس عليه أن يُلزمهم بالإيمان برسالته والتسليم لمنهجه.

السابقالتالي
2 3