الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي هَـٰذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذٰلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ }

{ وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَـٰعَهُمْ } قال الراغب: ((المتاع كل ما ينتفع به على وجه، وهو في الآية الطعام، وقيل: الوعاء وكلاهما متاع وهما متلازمان فإن الطعام كان في الوعاء))، والمعنى على أنهم لما فتحوا أوعية طعامهم { وَجَدُواْ بِضَـٰعَتَهُمْ } التي كانوا أعطوها ثمناً للطعام { رُدَّتْ إِلَيْهِمْ } أي تفضلاً وقد علموا ذلك بما مر من دلالة الحال، وقرأ علقمة ويحيـى بن وثاب والأعمش/ { ردت } بكسر الراء، وذلك أنه نقلت حركة الدال المدغمة إلى الراء بعد توهم خلوها من الضمة وهي لغة لبني ضبة كما نقلت العرب في قيل وبيع، وحكى قطرب النقل في الحرف الصحيح غير المدغم نحو ضرب زيد.

{ قَالُواْ } استئناف بياني كأنه قيل: ماذا قالوا حينئذ؟ فقيل: قالوا لأبيهم ولعله كان حاضراً عند الفتح { يٰأَبَانَا مَا نَبْغِي } إذا فسر البغي بمعنى الطلب كما ذهب إليه جماعة ـ فما ـ يحتمل أن تكون استفهامية منصوبة المحل على أنها مفعول مقدم ـ لنبغي ـ فالمعنى ماذا نطلب وراء ما وصفنا لك من إحسان الملك إلينا وكرمه الداعي إلى امتثال أمره والمراجعة إليه في الحوائج وقد كانوا أخبروه بذلك على ما روي أنهم قالوا له عليه السلام: إنا قدمنا على خير رجل وأنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلاً من آل يعقوب ما أكرمنا كرامته.

وقوله تعالى: { هَـٰذِهِ بِضَـٰعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا } جملة مستأنفة موضحة لما دل عليه الإنكار من بلوغ اللطف غايته كأنهم قالوا: كيف لا وهذه بضاعتنا ردها إلينا تفضلاً من حيث لا ندري بعدما من علينا بما يثقل الكواهل من الممنن العظام وهل من مزيد على هذا فنطلبه، ومرادهم به أن ذلك كاف في استيجاب الامتثال لأمره والالتجاء إليه في استجلاب المزيد، ولم يريدوا أنه كاف مطلقاً فينبغي التقاعد عن طلب نظائره وهو ظاهر. وجملة { رُدَّتْ } في موضع الحال من { بِضَـٰعَتُنَا } بتقدير قد عند من يرى وجوبها في أمثال ذلك والعامل معنى الإشارة، وجعلها خبر { هَـٰذِهِ } و ـ بضاعتنا ـ بياناً له ليس بشيء، وإيثار صيغة البناء للمفعول قيل: للإيذان بكمال الإحسان الناشيء عن كمال الإخفاء المفهوم من كمال غفلتهم عنه بحيث لم يشعروا به ولا بفاعله، وقيل: للإيذان بتعين الفاعل وفيه من مدحه أيضاً ما فيه.

وقوله تعالى: { وَنَمِيرُ أَهْلَنَا } أي نجلب لهم الميرة، وهي بكسر الميم وسكون الياء طعام يمتاره الإنسان أي يجلبه من بلد إلى بلد، وحاصله نجلب لهم الطعام من عند الملك معطوف على مقدر ينسحب عليه رد البضاعة أي فنستظهر بها ونمير أهلنا { وَنَحْفَظُ أَخَانَا } من المكاره حسبما وعدنا، وتفرعه على ما تقدم باعتبار دلالته على إحسان الملك فإنه مما يعين على الحفظ { وَنَزْدَادُ } أي بواسطته ولذلك وسط الإخبار به بين الأصل والمزيد { كَيْلَ بَعِيرٍ } أي وسق بعير زائداً على أوساق أباعرنا على قضية التقسيط المعهود من الملك، والبعير في المشهور مقابل الناقة، وقد يطلق عليها وتكسر في لغة باؤه ويجمع على أبعرة وبعران وأباعر، وعن مجاهد تفسيره هنا بالحمار وذكر أن بعض العرب يقول للحمار بعير وهو شاذ.

السابقالتالي
2 3