الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }

{ وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاء مَآء } تقدم الكلام في مثله، وهذا على ما قيل تكرير لما سبق تأكيداً لمضمونه وتوحيداً لما يعقبه من أدلة التوحيد { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ } بما أنبت به فيها من أنواع النباتات { بَعْدَ مَوْتِهَا } بعد يبسها فالإحياء والموت استعارة للإنبات واليبس، وليس المراد إعادة اليابس بل إنبات مثله، والفاء للتعقيب العادي فلا ينافيه ما بين المتعاطفين من المهلة، ونظير ذلك تزوج فولد له ولد، والآية دليل لمن قال: إن المسببات بالأسباب لا عندها ومن قال به أول { إِنَّ فِى ذَلِكَ } أي في إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض الميتة { لآيَةً } وأية آية دالة على وحدته سبحانه وعلمه وقدرته وحكمته جل شأنه، والإشارة بما يدل على البعد إما لتعظيم المشار إليه أو لعدم ذكره صريحاً { لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } قال المولى ابن الكمال: أريد بالسمع القبول كما في " سمع الله لمن حمده " أي لقوم يتأملون فيها ويعقلون وجه دلالتها ويقبلون مدلولها، وإنما خص كونها آية لهم لأن غيرهم لا ينتفع بها وهذا كالتخصيص في قوله تعالى:هُدًى وَرَحْمَةً لّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [النحل: 64] وبما قررناه تبين وجه العدول عن ـ يبصرون ـ إلى { يَسْمَعُونَ } انتهى، وقال الخفاجي: اللائق بالمقام ما ذكره الشيخان وبيانه أنه تعالى لما ذكر أنه أرسل إلى الأمم السالفة رسلاً وكتباً فكفروا بها فكان لهم خزي في الدنيا والآخر عقبه بأنه أرسله صلى الله عليه وسلم بسيد الكتب فكان عين الهدى والرحمة لمن أرسل إليه إشارة إلى أن مخالفة أمته لمن قبلهم تقربهم من سعادة الدارين وتبشيراً له عليه الصلاة والسلام بكثرة متابعيه وقلة مناويه وأنهم سيدخلون في دينه أفواجاً أفواجاً ثم أتبع ذلك على سبيل التمثيل لإنزاله تلك الرحمة التي أحيت من موتة الضلال إنزال الأمطار التي أحيت موات الأرضوَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } [الشورى: 28] ولولا هذا لكان قوله تعالى: { وَٱللَّهُ أَنزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَاء مَآء } كالأجنبـي عما قبله وبعده.

وقوله سبحانه: { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } الخ تتميم لقوله تعالى:وَمَا أَنزَلْنَا } [النحل: 64] الخ وللمقصود بالذات منه فالمناسب { يَسْمَعُونَ } لا يبصرون ولو كان تتميماً لملاصقه من الإنبات لم يكن ـ ليسمعون ـ بمعنى يقبلون مناسبة أيضاً، ثم قال: ومن لم يقف على محط نظرهم قال في جوابه: يمكن أن يحمل على يسمعون قولي والله أنزل الخ فإنه مذكر وحامل على تأمل مدلوله انتهى، وفي قوله عقبه: بأنه أرسله صلى الله عليه وسلم بسيد الكتب فكان عين الهدى والرحمة إشارة الخ خفاء كما لا يخفى، ومتى كان تتميماً لقوله تعالى:وَمَا أَنزَلْنَا } [النحل: 64] الخ لم يظهر جعل المشار إليه ما سمعت وهو الظاهر، وفي «البحر» أنه تعالى لما ذكر إنزال الكتاب للتبيين كان القرآن حياة للأرواح وشفاء لما في الصدور من علل العقائد ولذلك ختم بقوله سبحانه

السابقالتالي
2