الرئيسية - التفاسير


* تفسير الدر المصون/السمين الحلبي (ت 756 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلإِنسَانُ أَءِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً }

قوله: { أَإِذَا مَا مِتُّ }: " إذا " منصوبةٌ بفعلٍ مقدرٍ مدلولٍ عليه بقوله تعالى { لَسَوْفَ أُخْرَجُ } تقديرُه: إذا مِتُّ أُبْعَثُ أو أُحيا. ولا يجوز أن يكونَ العاملُ فيه " أُخْرِج " لأنَّ ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبلها. قال أبو البقاء: " لأنَّ ما بعد اللامِ وسوف لا يَعْمل فيما قبلها كإنَّ " قلت: قد جَعَلَ المانعَ مجموعَ الحرفين: أمَّا اللامُ فمُسَلَّمٌ، وأمَّا حرفُ التنفيسِ فلا مَدْخَلَ له في المنع؛ لأنَّ حرفَ التنفيسِ يَعْمَلُ ما بعده فيما قبله. تقول: زيداً سأضرب، وسوف أضرب، ولكنْ فيه خلافٌ ضعيفٌ، والصحيحُ الجوازُ، وأنشدوا عليه:
3247- فلمَّا رَأَتْع أمُّنا هانَ وَجْدُها   وقالت: أبونا هكذا سوف يَفْعَلُ
فـ " هكذا " منصوب بـ " يَفْعَل " بعد حرف التنفيس.

وقال ابن عطية: واللامُ في قوله: " لَسَوْف " مجلوبةٌ على الحكاية لكلامٍ تقدَّم بهذا المعنى، كأنَّ قائلاً قال للكافر: إذا مِتَّ يا فلان لسوف تُخْرَجُ حَيَّاً، فقرَّر الكلامَ على الكلام على جهةِ الاستبعادِ، وكرَّر اللامَ حكايةً للقول الأول ".

قال الشيخ: " ولا يُحتاج إلى هذا التقدير، ولا أن هذا حكايةُ لقولٍ تقدَّمَ، بل هو من كلامِ الكافرِ، وهو استفعامٌ فيه معنى الجحدِ والاستبعادِ ".

وقال الزمخشري: " لامُ الابتداءِ الداخلةُ على المضارع تعطي معنى الحالِ فكيف جامَعَتْ حرفَ الاستقبال؟ قلت: لم تجامِعْها إلا مُخْلِّصَةً للتوكيد كما أَخْلَصَت الهمزةُ في " يا الله " للتعويض، واضمحلَّ عنها معنى التعريف ". قال الشيخ: " وما ذَكَرَ مِنْ أنَّ اللامَ تعطي الحالَ مخالَفٌ فيه، فعلى مذهبِ مَنْ لا يرى ذلك يُسْقط السؤال. وأمَّا قولُه: " كما أَخْلَصَت الهمزة " فليس ذلك إلا على مذهبِ مَنْ يزعم أنَّ أصلَه إلاه، وأمَّا مِنْ يزعم أنَّ أصله: لاه، فلا تكون الهمزةُ فيه للتعويضِ؛ إذ لم يُحْذَفْ منه شيءٌ، ولو قلنا: إن أصلَه إلاه، وحُذِفَتْ فاءُ الكلمة، لم يتعيَّنْ أنَّ الهمزةَ فيه في النداء للتعويض، إذ لو كانَتْ عوضاً من المحذوف لَثَبَتَتْ دائماً في النداء وغيرِه، ولَمَات جاز حذفُها في النداء، قالوا: " يا الله " بحَذْفِها، وقد نَصُّوا على أن [قطعَ] همزةِ الوصل في النداء شاذ ".

وقرأ الجمهور " أإذا " بالاستفهامِ وهو استبعادٌ كما تقدَّم. وقرأ ابن ذكوان بخلافٍ عنه وجماعةٌ " إذا " بهمزةٍ واحدة على الخبر، أو للاستفهامِ وحذَف أداتَه للعلمِ بها، ولدلالةِ القراءةِ الأخرى عليها.

وقرأ طلحة بن مصرف " لَسَأَخْرَجُ " بالسين دون سوف، هذا نَقْلُ الزمخشريِّ عنه، وغيرُه نَقَل عنه " سَأَخْرُج " دونَ لامِ ابتداء، وعلى هذه القراءةِ يكونُ العاملُ في الظرف نفسَ " أُخْرَج " ، ولا يمنع حرفُ التنفيسِ على الصحيح.

وقرأ العامَّةُ " أُخْرَجُ " مبنياً للمفعول. والحسن وأبو حيوة " أَخْرِجُ " مبنياً للفاعل. و " حَيَّاً " حالٌ مؤكِّدة لأنَّ مِنْ لازمِ خروجِه أن يكونَ " حَيَّاً " وهو كقولِه:أُبْعَثُ حَيّاً } [مريم: 33].

وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وجماعة " يَذْكُرُ " مخففاً مضارعَ " ذكر " ، والباقون بالتشديد مضارعَ تَذَكَّر، والأصل " يتذكَّر " فأُدْغِمَتْ التاءُ في الذال. وقد قرأ بهذا الأصلِ وهو يَتَذَكَّر: أُبَيُّ.