الرئيسية - التفاسير


* تفسير تفسير القرآن العظيم/ ابن كثير (ت 774 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

يقول تبارك وتعالى { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } أي ما قدر المشركون الله حق قدره حين عبدوا معه غيره، وهو العظيم الذي لا أعظم منه، القادر على كل شيء، المالك لكل شيء، وكل شيء تحت قهره وقدرته، قال مجاهد نزلت في قريش، وقال السدي ما عظموه حق تعظيمه، وقال محمد بن كعب لو قدروه حق قدره، ما كذبوا، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة الله عليهم. فمن آمن أن الله على كل شيء قدير، فقد قدر الله حق قدره، ومن لم يؤمن بذلك، فلم يقدر الله حق قدره. وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الآية الكريمة، والطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف، وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف. قال البخاري قوله تعالى { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } حدثنا آدم حدثنا شيبان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنا نجد الله عز وجل يجعل السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } الآيةـ ورواه البخاري أيضاً في غير هذا الموضع من صحيحه، والإمام أحمد، ومسلم والترمذي والنسائي في التفسير من سننهما، كلهم من حديث سليمان بن مهران الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة عن ابن مسعود رضي الله عنه بنحوه، وقال الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، فقال يا أبا القاسم أبلغك أن الله تعالى يحمل الخلائق على إصبع، والسموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع؟ قال فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، قال وأنزل الله عز وجل { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } إلى آخر الآيةـ وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن الأعمش به، وقال الإمام أحمد حدثنا حسين بن حسن الأشقر، حدثنا أبو كدينة عن عطاء عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس، فقال كيف تقول يا أبا القاسم يوم يجعل الله سبحانه وتعالى السماء على ذه ــــ وأشار بالسبابة ــــ والأرض على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه ــــ كل ذلك يشير بأصابعه ــــ؟ قال فأنزل الله عز وجل { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } الآية، وكذا رواه الترمذي في التفسير عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي عن محمد بن الصلت أبي جعفر عن أبي كدينة يحيى بن المهلب عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى مسلم بن صبيح به، وقال حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

السابقالتالي
2 3