الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي ٱلأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

{ ما كانَ لنبىٍّ } من الأنبياء ونبينا صلى الله عليه وسلم داخل فى هذا العموم، وقيل ما كان لنبى قبلك فما يكون لك، وهذا لمعونة المقام، وإلا فكم من أمر لم يكن للأنبياء قبله وكان له، ويجوز أن يكون التنكير للتعظيم لا للعموم، والمراد النبى صلى الله عليه وسلم، والأصل ما كان لك فوضع الظاهر موضع المضمر، وما تقدم أولى، وقرئ ما كان للنبى بتعريف الحضور، فالمراد نبينا صلى الله عليه وسلم، ويحتمل الجنس. { أنْ يَكونَ } وقرأ أبو عمرو بالفوقية، قيل وابن عامر نظر إلى معنى الجماعة، وإلى ألف التأنيث كذا قيل، والصواب أنه نظر إلى معنى الجماعة، وإلا جاز قامت طلحة، وجاءت سلمى إذا أريد بهما رجلان، وليس بجائز { لَه أسْرَى } جمع أسير كقتيل وقتلى، وقرأ أبو جعفر أسارى وهو رواية المفضل، عن عاصم، وهو كما قال الزجاج جمع أسرى، فهو جمع الجمع، وقيل جمع أسير شاذا، وأصل المعنى واحد، وقال أبو عمرو بن العلاء، وهو أبو عمرو القارئ من السبعة إن الأسرى هم غير الموثقين عند ما يؤخذون، والأسارى هم الموثقون ربطا، وأنه جمع أسير كما أن أسرى جمع أسير. { حتَّى يُثْخِن فى الأرْضِ } حتى يكثر القتل والجراح، ويبالغ فى ذلك، فيذل الكفر وأهله، ويعز الإسلام وأهله، يقال أثخنه المرض أثقله وذلك من الثخانة أى هى الغلظ والكثافة، وقرأ أبو جعفر، ويحيى ابن يعمر، ويحيى بن وثاب بفتح الثاء وتشديد الخاء للتعدية لا للمبالغة، كما قال بعض، إلا إن أراد أن التشديد تلويح للمبالغة لوقوعها به فى الجملة، ومعنى الآية إيجاب القتل وتحريم استبقاء الأسرى. قال ابن عباس كان ذلك يوم بدر، ولما كثر المسلمون نزلفإما منًّا بعدُ وإما فداء } قيل فكان ناسخا لذلك كما فى كتاب الناسخ والمنسوخ، وهو ظاهر كلام ابن عباس، وجار الله، قال الرازى ليس ناسخا فإن الآيتين متوافقتان، وكلتاهما يدل على أنه لا بد من تقديم الإثخان، ثم بعده أخذ الفداء، وأقول كلامه يقتضى هذا فى كل قتال على حدة، وليس بشئ، وكان الفداء يومئذ أربعة آلاف درهم، أربعة آلاف لكل أسير. { تُريدُونَ } أيها المؤمنون { عَرضَ الدُّنيا } وهو ما يأخذون من فداء الأسارى، وسمى عرضا لأن متاع الدنيا حادث قليل اللبث، سريع الفناء، وقرئ يريدون بالتحتية، ولا دليل فى الآية لمن يقدح فى عصمة الأنبياء، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حكم بالفداء، لأنه قد فوض الله إليه الحكم فى المصالح، فرأى الحكم به مصلحة، ولما نهاه كف وكان حراما، بل قيل إن الآية عتاب رقيق فى اختيار الفداء على القتل، لا تحريم له، وأما الأسر ففعلته الصحابة لا هو، فإن كان ذنبا فمنهم إذا مروا بالقتل فأسروا، بل لا ذنب لأنهم لم ينهوا عن الأسر يومئذ، والأمر بالقتل لا يحرم الأسر، فإنهم إذا أسروا فالأمر بعد للنبى، فإن شاء ألحق الأسرى بالقتلى بالقتل.

السابقالتالي
2 3