الرئيسية - التفاسير


* تفسير روح المعاني/ الالوسي (ت 1270 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ }

{ إِنَّ فِى ذَلِكَ } إشارة إلى ما ذكر من القصة، وما فيه من معنى البعد لتعظيم شأن المشار إليه؛ وقيل: لبعد المسافة بالنظر إلى مبدأ القصة { لآيَةً } أي لآية عظيمة توجب الإيمان بموسى عليه السلام وتصديقه بما جاء به، وأريد بها على ما قيل انقلاب العصا ثعباناً وخروج يده عليه / السلام بيضاء للناظرين وانفلاق البحر وأفردت للاتحاد المدلول.

{ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } أي أكثر قوم فرعون الذين أمر موسى عليه السلام أن يأتيهم وهم القبط على ما استظهره أبو حيان حيث لم يؤمن منهم سوى مؤمن آل فرعون وآسية امرأة فرعون، وبعض السحرة على القول بأن بعضهم من القبط لا كلهم كما عليه أهل الكتاب وهو الذي يقتضيه ظاهر كلام بعض منا، والعجوز التي دلت موسى على قبر يوسف عليهما السلام ليلة الخروج من مصر ليحمل عظامه معه، وقيل: المراد بالآية ما كان في البحر من إنجاء موسى عليه السلام ومن معه وإغراق الآخرين، وضمير { أَكْثَرُهُمْ } للناس الموجودين بعد الإغراق والإنجاء من قوم فرعون الذين لم يخرجوا معه لعذر ومن بني إسرائيل.

والمراد بالإيمان المنفي عنهم التصديق اليقيني الجازم الذي لا يقبل الزوال أصلاً أي وما كان أكثر الناس الموجودين بعد تحقق هذه الآية العظيمة وظهورها مصدقين تصديقاً يقينياً جازماً لا يقبل الزوال فإن الباقين في مصر من القبط لم يؤمن أحد منهم مطلقاً وأكثر بني إسرائيل كانوا غير متيقنين ولذا سألوا بقرة يعبدونها وعبدوا العجل فلا يقال لهم مؤمنون بالمعنى المذكور، ويكفي في إيمان البعض الذي يدل عليه المفهوم كون البعض المؤمن من بني إسرائيل وحيث كان المراد وما كان أكثرهم بعد تحقق آيتي الإغراق والإنجاء وظهورهما مؤمنين لا يصح جعل الضمير للقبط إلا ببيان الأقل المؤمن والأكثر الكافر منهم بعد تحقق الآيتين، وما ذكر في بيان الأقل المؤمن منهم ليس كذلك إذ إيمان من ذكر كان في ابتداء الرسالة على أن العجوز من بني إسرائيل كما جاء في حديث أخرجه الفريابـي وعبد بن حميد وابن أبـي حاتم والحاكم وصححه عن أبـي موسى مرفوعاً بل أخرج ابن عبد الحكم من طريق الكلبـي عن أبـي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها شارح ابنة أشير بن يعقوب عليه السلام فهي بنت أخي يوسف عليه السلام فتكون أقرب من موسى عليه السلام إلى إسرائيل.

وأجيب بأن من يرجع الضمير على القبط لا يلزمه أن يفسر الآية بالإغراق والإنجاء بل يقول: المراد بها المعجزات من العصا واليد وانفلاق البحر ويقول: إن إيمان الأقل بعد تحقق بعضها كاف لاتحاد مدلولها في تحقق المفهوم، وأما إرجاع الضمير على الناس الموجودين بعد الإغراق والإنجاء من بني إسرائيل وقوم فرعون الذين لم يخرجوا معه فخلاف الظاهر وكذا حمل الإيمان على ما ذكر وجعل أكثر بني إسرائيل المخصوصين بالإنجاء غير مؤمنين وإن حصل منهم عند وقوع بعض الآيات ما لا ينبغي صدوره من المؤمنين فإنهم لم يستمروا عليه.

السابقالتالي
2 3 4 5